باها بريس

المغرب يشارك بثلاث اختراعات في مسابقة دولية بكندا

 


 

يشارك المغرب ، من خلال المدرسة المغربية للعلوم المهندس EMSI ، في النسخة السابعة من المسابقة الدولية للاختراع والابتكار iCAN 2022  ، والتي ستقام في 27 غشت 2022 ، في تورنتو ، كندا.

ومن خلال مختبرات SMARTilab التابعة لها ، ستكون المدرسة المغربية لعلوم المهندس حاضرة بثلاث اختراعات أساسية، نظام التنقيب البحري الذكي SIProM  ونظام DONATE الذكي لجمع التبرعات المبتكرة والمشروع الثالث نظام التطهير الذكي الأشعة فوق البنفسجية

الاختراع الأول  عبارة عن نظام تنقيب بحري ذكي ومتصل قادر على جمع ونقل البيانات البحرية والأرصاد الجوية والبيئية في الوقت الفعلي، أما الاختراع الثاني  DONATE  فهو يقدم حل مضمون ذكي وفني ومبتكر يسمح بتقنية جمع تبرعات ناجحة وجذابة.، وبخصوص الاختراع  الثالث فهو المساهمة في مجال الصحة من خلال تطوير حل يسمح بالوقاية المنتظمة من الفيروسات أو البكتيريا أو غيرها ، مهما كانت مناطق وجودها ، سواء في الماء أو الهواء أو على الأسطح أو غير ذلك من خلال جهاز ذكي يعتمد على تقنية الأشعة فوق البنفسجي.

 المسابقة الدولية للابتكار والاختراع آي-كان بكندا ، مؤتمر تنظمه جمعية تورونتو الدولية للابتكار والمهارات المتقدمة (TISIAS) ، بالتعاون مع `` الاتحاد الدولي لجمعيات المخترعين '' (IFIA) ، جمعيات الملكية الفكريةوالاختراع العالمي  (WIIPA) ومبادرة الابتكار التعاونية  (ICO)، وتعتبر الحدث الكندي الأول المعترف به عالميًا للمخترعين ، ويهدف إلى إنشاء منصة خاصة لتوحيد مبادرات الإبداع والابتكار للمخترعين الكنديين و بقية العالم من خلال منح المبتكرين فرصة ذهبية لتوسيع شبكتهم الدولية وأنشطتهم التجارية ، للترويج لاختراعاتهم ومنتجاتهم الجديدة ومشاريعهم البحثية مع اتخاذ خطوة كبيرة أخرى بالفوز بجوائز iCAN الكندية.

 ستكون المسابقة فرصة للمرشحين من 61 دولة لعرض أفكارهم الإبداعية من خلال 608 مشروعًا مبتكرًا. ستبني لجنة التحكيم قراراتها على الحجج والأدلة ووضوح وتماسك العروض التقديمية الشفوية للمرشحين، وأصالة وتعقيد مشاريعهم ، فضلاً عن فائدة الاختراعات.

تجدر الإشارة إلى أنه وفي سياق البحث العلمي، قامت المدرسة المغربية للعلوم المهندس التي تأسست سنة 1986 والعضوة اليوم بشبكة هونوريس )أول شبكة للتعليم العالي الخاص بإفريقيا (  بتأسيس وتطوير 3 مختبرات بحثية في مجالات البحث العلمي الأكاديمي والابتكار والاختراع. وحصلت المدرسة المغربية للعلوم الهندسية من خلال مختبراتها على أكثر من 71 جائزة وميدالية في عدة دول منها الصين وكندا وكوريا وماليزيا وتركيا وروسيا والولايات المتحدة الأمريكية ورومانيا وبولندا وإسبانيا

 

باها بريس

مغاربة العالم و ثُـنائية الحكامة و السياسات العمومية..

 

مغاربة العالم و ثُـنائية الحكامة و السياسات العمومية..


 

الدعوة لإعـادة قراءة خطاب عيد ثورة الملك و الشعب ليوم 20 غشت لسنة 2022 ، هي عودة للوقوف بشكل أعمق على رسائل و دلالات التفكيك القوي لمرحلة مفصلية يعيشها المغرب في ظل متغيرات دولية لها علاقة بملف الصحراء المغربية و أيضا بالظروف العالمية كتداعيات كوفيد و أيضا الحرب الدائرة في أوكرانيا و حرب الحبوب و الطاقة و تداعيات التغييرات المناخية ( الحرائق وقلة الأمطار…) و غيرها من العوامل المؤثرة في معادلات العلاقات الدولية…

و اذا كانت روح ثـورة 20غشت 1953 قـد طبعتها التضحية و التضامن و الالتفاف حول المقدسات الوطنية و الترابية..فإن نفس هذه الثوابت أمًنَتْ للمغرب البقاء واقفا على رجليْه و سمحت له بفرض شروطه و أن لا يُـفاوض على صحرائه و انها مقياس صِدق الصداقات و نَجاعة الشراكات…

فالقيام بقراءات متعددة للخطاب هي قراءة جديدة في دلالات لحظات التوشيح الملكي أو الإشادة الملكي بمغاربة العالم بما فيهم اليهود المغاربة ، بأرفع الأوسمة ، نظير دورهم المحوري في الدفاع عن ملف الوحدة الترابية في بلدان الإقامة أو في أعمال التضامن مع الأسر المغربية او عمليات الاستثمار و التنمية…

 

الأكيد أن الخطاب سيكون لـه ما بعده ، و المؤكد أنه سيُؤسس لمرحلة جديدة في ما يتعلق بقضايا و مؤسسات الهجرة سواءً من خلال الإطار التشريعي لتلك المؤسسات أو من خلال نموذج الحكامة و سؤال السياسات العمومية المتعلقة بقضايا مغاربة العالم..

و ذلك في أُفُـق الإجابــة على انتظارات مغاربة العالم فيما يخص عراقيل المساطر الإدارية أو مآلات ملفات الاستثمار و كذا التاطير الديني و التربوي و وشائج الهوية المغربية…و كذا احتضان الكفاءات والموهوبين المغاربة بالخارج و مواكبة الشباب حامل المشاريع و المبادرات…

بالمقابل فقد حدد الخطاب بدقة كبيرة إحداثيات خارطة طريق جديدة ، تناولت عمليات التحديث والتأهيل للإطار المؤسسي ، وهو ما سيتطلب تـدخل المشرع لتعزيز الترسانة القانونية ، سواء في إطار إختصاصات الحكومة أو البرلمان ، وهو ما عبر عنه الخطاب بالإطار التشريعي..

 

إن تعــدد المتدخلين و المؤسسات المكلفة بالهجرة و المتمثلة في وزارة الخارجية المكلفة بالمغاربة المقيمين بالخارج و مؤسسة الحسن الثاني و مجلس الجالية و مؤسسة محمد الخامس للتضامن و وزارة التعليم و غيرها …يضعنا أمام العديد من البرامج المتضاربة أو المتعارضة أو المكررة أحيانًا من جهة ، و يخلق نوعا من التنافسية و عدم التكامل و غياب الانسجام بين كل تلك المؤسسات من جهةٍ ثانية … و هو ما وقف عليه بالفعل تقرير قضاة المجلس الأعلى للحسابات في  سنة 2018 بخصوص العرض الثقافي الموجه لمغاربة العالم خلال سنتي 2016 و2017 ، و هو التقرير الذي حمل خُلاصات صادمة تتعلق بعدم التكامل و عدم التتبع وقياس الأثــر..الشيء الذي يرفع من درجة استعجال " إطار تشريعي " جديد يُحدد اختصاصات كل مؤسسات الهجرة بـدقـة،و يضمن مساحات مهمة للتكامل و التعاون بينها ..و يَمنع تعارضها و تضارب اختصاصاتها …

 

ليس هذا فحسب ، بل إن التحديث و التأهيل المؤسسي ، يعني أيضا الشروع في تنزيل الفصل 163 و إخراج قانون تنظمي لنسخة جديدة لمجلس الجالية تضمن له " الإحالة الذاتية " و " المبادرة  " في إبـداء آرائه في كل الإجراءات و القوانين التي لها علاقة بقضايا مغاربة العالم ..على اعتبار أن مجلس الجالية هو المؤسسة الوحيدة التي بإمكانها توفير المعرفة العلمية لكل قضايا الهجرة ، بفضل تراكم سنوات طويلة في البحث العلمي و القيام بدراسات في ظاهرة الهجرة اعتمادا على العلوم الإنسانية و الاجتماع و التاريخ و غيرها…هذا مع التذكير بضرورة مراجعة الاطار التشريعي لمؤسسات قوية من حجم  وزارة الخارجية و مؤسسة الحسن الثاني ذات طابع اجتماعي و ثقافي وخطوط التماس مع وزارة التعليم أو الثقافة أو الأوقاف و الشؤون الإسلامية والمجلس العلمي المغربي بأوروبا..

فالمعنى القوي كمصطلح " الإطار المؤسسي الخاص بفئة مغاربة العالم " ، يجعلنا نميل الى أن نص الخطاب شمل كل مؤسسات الهجرة رغم تعددها وتنوعها…وبالتالي إخضاعها أيضا لكل عمليات التحديث والتأهيل..لما فيه مصلحة مغاربة العالم…

 

و قــد كانت " إعادة النظر في نموذج الحكامة بالمؤسسات الموجودة قصد الرفع من نجاعتها و تكاملها…" إحدى أهم الفقرات القوية في خطاب الثورة لسنة 2022 ، إذ وُجُوب إعادة النظر لم يـشمل " مؤسسات " الحكامة  الواردة في الوثيقة الدستورية ، بل " نموذج " الحكامة…وهو ما يطرح إشكالية ثـنائية الحكامة و صناعة السياسات العمومية الخاصة بمغاربة العالم…؟

 

 

 و يظهر من خلال تعريف مصطلح " السياسات العمومية " حسب معهد الدراسات العمومية بفرنسا بأنها " مجموع القرارات و الاعمال و التدخلات المتخذة من قبل الفاعلين المؤسساتيين و الاجتماعين لاجل إيجاد الحلول لمشكل جماعي ما "..

بمعنى ان السياسات العمومية يقوم بها الفاعل المؤسساتي/ الحكومي بالإضافة الى الفاعل الاجتماعي و الذي يمكن ان يكون نُخبا في العلوم الاجتماعية و الاقتصاد و الاجتماع أو هيئات استشارية / عمالية / مهنية…

وهنا لابد من استحضار الفصل 163من الدستور حيث خص المشرع الدستوري مجلس الجالية بإبداء آرائه بخصوص توجهات السياسات العمومية في مجالات الهوية و حقوق مغاربة العالم و مساهمتهم في تنمية الوطن.

 

و اذا كنت السياسات العمومية هي مجال اشتغال و تطبيق الحكامة…و التي تعني من خلال التعاريف المفاهيمية بأنها طريقة تدبير السياسات العمومية و الموارد الاقتصادية لتحقيق التنمية الاجتماعية…فانه من البديهي طرح سؤال الحكامة الجيدة أو تخليق الحياة العامة ..وهو الامر الذي تناوله المشرع المغربي سواء في تصدير دستور2011 ، أومن خلال العديد من الفصول الدستورية خاصة الفصل13 و كذا دسترة مؤسسات الحكامة الجيدة من 161الى 170 و الفصل 151 و الخاص بالمجلس الاجتماعي و الاقتصادي  والبيئي..

 

لذلك وحتى نعيد النظر في نموذج الحكامة بالمؤسسات الموجودة ( الخاصة بمغاربة العالم ) …فإنه يتوجب على الفاعل الحكومي  ان يجعل من كل المؤسسات وهيئات الحكامة المكلفة بمغاربة العالم ..شريكًا حقيقيًا في القرار السياسي و في تنفيذ برامج السياسات العمومية المتعلقة بمغاربة العالم.. و ليس كغريم سياسي و منافسه في السلطة…وهو ما سيرفع لا محالة من  نجاعتها و يضمن تكاملها و تطبيقا لمبادئ الحكامة الجيدة في السياسات العمومية…

لأنه لا يمكننا الاستمرار في حالة تجاهل الفاعل التشريعي ( برلمان و حكومة ) لقضايا مغاربة العالم و التعامل معها  بكيفية مناسباتية فقط كشهر رمضان أو عملية عبور..إذ كيف نفسر انه طيلة الولاية التشريعية التاسعة 2011/ 2018 لم تنـل قضايا مغاربة العالم الاهتمام  الواجب و اللازم داخل قبة البرلمان فمين بين  23077  سؤالا كتابيًا  لكل القضايا ، كان نصيب قضايا مغاربة العالم134  سؤالًا فقط  أي بنسبة 0,58  في المائة..ومن بين 9583سؤالا شفويا لكل القضايا ،كان نصيب مغاربة العالم 113سؤالا فقط…اجابت الحكومة عن 77سؤال كتابي و 51 سؤال شفوي بمجموع 128 إجابة…نعتقد ان لغة الأرقام ليست وجهة نظر بل حقيقة دامغة تُعجل بضرورة إعادة النظر في نموذج الحكامة كما جاء في خطاب الثورة لسنة 2022

 

و من جانب آخر ، فإن خارطة الطريق نبهت الى ضرورة انفتاح قطاع المال و الاعمال الوطني و المؤسسات العمومية على الكفاءات و المواهب الشابة من مغاربة العالم من أجل دعمهم و تمكينها بعد تعثر العديد من البرامج الحكومية الخاصة بالكفاءات و المواهب مثل " فينكوم " و " مغربكم " و الجهة 13"… أكثر من هذا فالطريق مُعبـد الآن للتعجيل بخلق " وكالة ثقافية " تحتضن أفكار و أحلام الأجيال الجديدة و تقدم صورة إيجابية عن مغرب اليوم ..

إن التعجيل بتنزيل فلسفة مضامين خطاب 20 غشت يجب ان يحتل مراتب الأولوية في الولاية التشريعية الحالية حتى نكون قادرين جميعًا على تقديم الإجابة لسؤال جلالة الملك…ماذا وفرنا لهم لتوطيد هذا الارتباط بالوطن..؟

 

عبد الله بوصوف…

 

 

باها بريس

لابيد المنتشي بنصرٍ زائفٍ وتفوقٍ خادعٍ

 


 

لابيد المنتشي بنصرٍ زائفٍ وتفوقٍ خادعٍ

بقلم د. مصطفى يوسف اللداوي_ بيروت لبنان

لم يكن يائير لابيد الزاحف إلى رئاسة الحكومة الإسرائيلية، وتصريف أعمالها وتسيير ملفاتها، حتى تمام الانتخابات التشريعية المبكرة الخامسة وظهور نتائجها، وتكليف الأقوى فيها بتشكيل الحكومة الجديدة، يحلم أن يرتفع رصيده في الشارع الإسرائيلي، وأن ينال نسبةً أعلى من أصوات المؤيدين له والراضين عن سياسته، وهو المتهم في الأوساط الداخلية الإسرائيلية أنه أقرب إلى اليسار فكراً وسياسة، وأنه لا يستطيع اتخاذ قرارات تتعلق بالحرب وشن عمليات عسكرية، أو تنفيذ مهامٍ أمنية كبيرة، فهو القادم من خلف المكاتب الإعلامية والبرامج التلفزيونية، دون أدنى خبرة عسكرية أو أمنية، إلا أنه ضليعٌ بالملفات الاقتصادية، فهو إلى جانب أنه كان وزيراً للاقتصاد في إحدى حكومات نتنياهو، فهو رجل أعمالٍ كبير، وأحد أكثر الإسرائيليين ثراءً.

 

فجأة وجد رئيس حكومة تصريف الأعمال الإسرائيلية يائير لابيد نفسه في خضم المعركة العسكرية، وداخل ميدان القتال، يزور مستوطنات الغلاف، ويقف على الحدود، ويتجول بين الدبابات والجنود، ويطلق التصريحات من بين السيارات العسكرية والتجهيزات القتالية، ويستخدم مفاهيم جديدة لم يألفها من قبل، فهو يريد حسم المعركة دون أن يتكبد مستوطنوه أي خسائر، ويشجع قائد الجيش على تحييد قادة حركة الجهاد الإسلامي، وتصفية كبار مسؤوليها، بما يعيد الأمن إلى العمق والغلاف، ويحقق الردع واستعادة الثقة بالجيش وقدراته القتالية، ويرفض تقديم أي اعتذار للفلسطينيين أو المجتمع الدولي بسبب استخدام القوة المفرطة في قصف أهدافٍ مدينةٍ فلسطينية، ويعتبر أن ما قام به جيشه يندرج تحت مفهوم حفظ الأمن وسلامة المستوطنين، وتوجيه ضرباتٍ استباقية ضد أي مخاطر محتملة.

 

يظن لابيد أنه حقق في قطاع غزة ما لم يحققه أسلافه، وأنه تمكن من تدمير منصات إطلاق الصواريخ، ووجه ضربةً مؤلمةً إلى حركة الجهاد الإسلامي، وصَفَّى كبار قادتها، واستطاع أن يخلق شرخاً بين قوى المقاومة الفلسطينية، وعطل غرفة العمليات المشتركة، ومكن جيشه من استعادة بعض هيبته، وترميم بنيته، واستعراض قدراته العسكرية، التي مزج فيها بين القوة والأمن، ومنح سلاح الطيران الفرصة الكاملة لأن يتفرد في المعركة، فيما يبدو أنها محاولة لاستعادة هيبة الذراع العسكرية الطويلة لسلاح الطيران الإسرائيلي القديم.

 

كما ظن لابيد أنه نجح في توجيه رسائل صريحة ومباشرة إلى قوى المقاومة الفلسطينية وغيرها، بأنه قادرٌ على أن ينال منها ويحيدها، وأن جولة القتال القصيرة في غزة قد تتكرر مراتٍ أخرى في أكثر من مكان، وتخيل أن قوى المقاومة الأخرى قد تلقت الرسالة وفهمتها، وأدركت أن سياسة الجيش قد تغيرت وصلاحياته قد تبدلت، ولعل بعض مستشاريه الأمنيين والعسكريين، فضلاً عن قائد جيشه، قد نفخوا فيه وأشادوا به، وهَوَّلوا له ما حقق وعظموا ما أنجز، وكَبَّروا رأسه أكثر مما يعرف هو عن نفسه.

 

زاد في زهو لابيد وخيالائه، أن نتنياهو استجاب له ولبى دعوته، واستمع إليه وقدم له نصائحه، وقَبِلَ أن يتلقى منه تلخيصاً أمنياً، ويطلع على التقارير الخاصة بالعمليات العسكرية الجارية في قطاع غزة، بما يعني اعترافه به رئيساً للحكومة الإسرائيلية، وهو الذي كان يرفض الاعتراف بسلفه نفتالي بينت، ويصر على تحقيره والتقليل من قدره وشأنه، والاستخفاف بقدراته ومميزاته، رغم أن الظروف الأمنية والعسكرية التي كانت سائدة في مايو/آيار من العام 2021، في ظل حرب "سيف القدس"، كانت أقسى وأصعب، وأكثر خطورة وسخونة مما هي عليه الآن، ورغم ذلك فقد رفض تقديم الدعم لبينت بينما قدمه للابيد، الذي اعتبره اعترافاً به وتنازلاً من نتنياهو له.

 

ما زالت استطلاعات الرأي الإسرائيلية تورط لابيد أكثر فأكثر، وتمنحه المزيد من التقدم، وتوهمه أنه أصبح الأقوى والأقدر، وأنه المنقذ والمخلص، وأن على شعب إسرائيل أن يضع فيه الثقة ويمنحه المزيد من الأصوات في الانتخابات القادمة، بما يمكنه من تشكيل حكومةٍ قوية ومستقرة، فلا يكون الشعب مضطراً لخوض انتخاباتٍ سادسة وربما سابعة.

 

يبدو أن يائير لابيد مخمورٌ بما يسمع، ومنتشيٌ بما يرى، وما زالت السكرة تلعب في رأسه، ونسي أن الأرض التي يقف عليها تميد به وبمستوطنيه، وأنها تشتعل ناراً في كل مكانٍ حوله، وأن الفلسطينيين، أصحاب الأرض وحماة الوطن، لن يتركوه في سكرته طويلاً، ولن يقفوا مكتوفي الأيدي أمام استعلائه الموهوم، وتفوقه المخادع، فكما أسقطت المقاومة شيمعون بيريز وأيهود أولمرت وأيهود باراك وأفيغودور ليبرمان، وقادة الجيش السابقين أمثال دان حالوتس والدعيِّ الفاشل بيني غانتس، فإن المقاومة التي تضرب في القدس والضفة الغربية، وتصمد وتصد في قطاع غزة، وتخيف في جنوب لبنان وترعب، قادرة بإذن الله أن تنسي لابيد وساوسه، وأن تعيده بالقوة إلى حجمه الطبيعي وجحره الذي كان فيه.

باها بريس

شريط "ستة أشهر ويوم" فصاحة الصورة وبلاغة التقنية


 

 شريط "ستة أشهر ويوم" فصاحة الصورة وبلاغة التقنية

الكبير الداديسي

عدت في تلك الليلة من رمضان إلى البيت استلقيت أمام التلفاز أبحث عن لحظة استمتاع وإفادة ... شدني شريط تلفزي مغربي بالقناة الثانية، وقفتْ فيه البطلة تعترف لثلاثة أشخاص أمامها قائلة (عندي سرطان في مراحله النهائية تعبت من الأدوية وهذا الداء الخبيث لا يزيد إلا انتشارا بذاتي ... الطبيب أخبرني أنني لن أعيش إلا ستة أشهر وها أنذا أعيش يوما بعدها... زياد خديجة أتوسل إليكم إن حصل لي مكروه اعتنوا بإبراهيم عاملوه كأخ لكم ... هيا ساعدوني على وضع الأواني بالسيارة) وما كدت أعدل جلستي لمتابعة باقي الأحداث حتى فاجأني آخر مشهد في الشريط يُظهر البطلين والطفل زياد داخل سيارة في جو عائلي مع بزوغ أشعة شمس تزرع أملا في طريق هذه العائلة... عرفت من جينيريك النهاية أن الأمر يتعلق بشريط (ستة أشهر ويوم) للمخرج عبد السلام الكلاعي... من يومها لم يغب عن ذهني ذلك المشهد وعشت أمنّـي النفس بفرصة تتيح لي مشاهدة الشريط كاملا ولي قناعة أنه سيحتفي باللغة ما دام اختيار كلمة "أشهر" في العنوان بدل "شهور" تنم عن اختيار واع بأهمية التمييز بين جمع القلة (أشهر) وبين جمع الكثرة (شهور)...  وكبرت الأمنية أكثر لما عرفت في ما بعد أن الشريط حصد ثلاث جوائز هي الجائزة الكبرى وجائزة الإخراج وجائزة التشخيص ذكورا في مسابقة مهرجان مكناس للدراما التلفزية...

وتحققت تلك الأمنية لما أعادت القناة الثانية عرض الشريط ليلة السبت 14 غشت 2022، وأسعفني الوقت لأنقطع عن العالم زهاء ساعة ونصف حملني فيها الشريط إلى عوالمه، وما أن طلع جينيريك النهاية أمامي من جديد حتى وجدتني أنزوي إلى حاسوبي الشخصي أدون ملاحظات عسى أشارك القراء والمهتمين بالسينما والدراما المغربية بعض من تلك الملاحظات في هذا المقال....

"ستة أشهر ويوم" تحفة تلفزية للمخرج المغربي عبد السلام الكلاعي صدرت سنة 2021 إنتاج القناة الثانية، بعد عدد من الأعمال تشكل ريبرتوارا متنوعا  لهذا المخرج  يجمع بين المسرح والأفلام السينمائية القصيرة والطويلة، والأشرطة التلفزية والمسلسلات، مما بوّأته لأن يكون فاعلا سينيماتوعرافيا له وزنه بالمغرب...

يحكي شريط "ستة أشهر ويوم"  حكاية مركزية تحوم حولها حكايات فرعية تكملها، تتلخص الحكاية البؤرية في قصة شابين خريجي مدرسة الفنون الجميلة بتطوان  تزوجا عن حب، استقرا بمدينة العرائش يعيشان من مشروعهما الشخصي يبيعان فيه ما ينتجانه من أوان خزفية ولوحات تشكيلية، وقبل أن يرزقا بأبناء، تكتشف هدى إصابتها بداء السرطان وقد استشرى في جسدها، ليحدد لها الطبيب أمد حياة لا يتجاوز ستة أشهر كأقصى، تعيش خلاها معاناة أمام استحالة إجراء  عملية جراحية بعد أن تفشى الداء في الجسد، وصعوبة الاعتماد على العلاج الكيماوي لتكاليفه الباهظة بالنسبة لسيدة لا تسفيد من أي تغطية صحية وترفض بيع منزلها خوفا من تشريد زوجها إبراهيم، ورغم ما تعانيه من ألم  أصبح همّها الأول التفكير في كيف سيعيش هذا الزوج بعد وفاتها وهو الآخر  يعاني اضطراب التوحد...

 تداري هدى ألمها وتسعى عبر كل السبل الممكنة عسى تضمن لإبراهيم حياة مستقرة قبل رحيلها... ولما باءت كل محاولاتها بالفشل تسلحت بالأمل واستطاعت رغم كل المصاعب والآلام والعراقيل أن تعيش يوما إضافيا بعد تلك المدة التي حددها لها الطبيب كحد أقصى. خلال هذه الرحلة نسج المؤلف والمخرج لهذين الزوجين علاقات متباينة بين السلب والإيجاب مع شخصيات وأسر ومؤسسات نجحت في تشخيص الأحداث وتوهيم المتلقي بواقعيتها، وقد شخصت أحداث هذا الشريط ثلة من الممثلين على رأسهم أمين الناجي في دور إبراهيم، جليلة التلمسي في دور هدى، نسرين الراضي في دورة خديجة، الخنساء الشهموني في دورة صفية مراد حميمو في دور الدركي، زكرياء عاطفي في دور الجار السكير، سامي الكلاعي في دور الطفل زياد إضافة إلى ممثلين آخرين...

ومن تلك العلاقات التي ربطت هدى وإبراهيم بالآخرين نكتفي بالإشارة إلى:

- العلاقة بأسرة صفية زوجة والد إبراهيم الشيخ الكسيح المريض الذي لا يغادر فراشه تزوحها وهو في الخمسينيات من عمره ابنةَ 18 سنة، وها هو قد تجاوز السبعين وهي في منتصف الثلاثينيات من عمرها لم يعد لها من هدف سوى انتظار وفاته لترث شيئا يعوضها تضحيتها بشبابها معه... وهو مما خيب أمل هدى في الاطمئنان على إبراهيم إن هي أوكلت لصفية أمر رعايته.

- العلاقة مع خديجة الشابة ابنة32 سنة عازبة تشتغل في ورشة البطلين اقترحت عليها هدى الزواج من إبراهيم لتطمئن عليه وتضمن له من يرعاه لكن خديجة هي الأخرى خيبت أفق انتظار هدى...  

- العلاقة بعائلة الطفل زياد حيث رب الأسرة سكير يعنف الطفل، ولا يحترم حرمة الأسرة مما أجبر الأم على الهروب مع عشيقها وترك الطفل فريسة عدوانية الأب، لم يجد من يخفف من معاناته سوى حضن أسرة هدى وزوجها اللذان كانا يشجعانه على الدراسة ويصقلان موهبته في الرسم...

- العلاقة مع مؤسسة الرعاية الاجتماعية، ذهبت إليها هدى عسى تضمن سريرا يستقبل زوجها بعد وفاتها، لتعود منها خائبة بعدما كشفت الكاميرا ما يعاينه نزلاء هذه المؤسسة من إهمال ومن لا مبالاة المشرفين على تدبير أمورها...

وعلى الرغم من كل تلك الخيبات التي صفعت البطلة وكادت تفقدها الثقة في كل من وما يحيط بها، فللشريط رسالة أمل  تنقل المتفرج من واقع متعفن مرفوض لتبشره بغد مشرق منشود (افتتح الشريط بمشهد جنائزي وانتهى بسفر مع بزوغ شمس الصباح وتطلع لغد أفضل)

أما من الناحية التقنية فالشريط يقوم على تقنيات سينيماتوغرافية وأليات تفهم جيدا دلالة حركة الصورة، وصورة الحركة مما جعل منه شريطا مشحونا يتجاوز دور الوسيط البصري، إلى نظام تواصلي يفرض على المتلقي التفاعل معه، لما  يحمله من رسائل، وما يثيره من مشاعر، حيث الصورة تخاطبنا كلغة تحتم على المتلقي الرقي لفهم لغة التصوير -التي تتجاوز العلامة الكلمية اللفظية - لما لها من قدرة على الإيهام البليغ بالواقع، وخلق علاقة مباشرة مع المتلقي ما دامت تخاطب العين، تؤثر فيه وينسى الشاشة أمامه فيلج بطواعية عالمَ أحلام ، وينخرط في كذبة فنية متفق عليها تفقده ذاته وتحرر لا شعوره من الكوابح العرفية، فيتعاطف ويشفق ويبكي... مع شخصيات يعرف جيدا أنها تمثل...

 

إن شريط ستة أشهر ويوم" للمخرج عبد السلام الكلاعي وإن كان يتناص مع عدد من الأشرطة، ويتقاطع معها في بعض الأحداث والرسائل، فلمشروع الكلاعي من خلال ها الشريط خصائص كثيرة تفرده  سنكتفي في ها المقال بعشر ملاحظات سريعة عسى يغنيها من تابع الشريط:

1 – الارتباط الوثيق بمدينة العرائش، وهي خاصية تميز عددا من أعماله الفنية، فقد نجح  في هذا الشريط بواسطة الكاميرا الترويج للمنتوج المحلي  في الصناعة التقليدية (الخزف ) والصناعة الميكانيكية (سيارة داسيا لودجي)  وتسويق جمالية مدينة العرائش كقبلة سياحية من حيث ثقافتها كرأسمال لا مادي (الخزف، سلوك أهلها وتضامنهم في السراء والضراء، التكافل في العزاء، الفروسية...) أو من حيث حضارتها المادية (الأقواس ،الأبواب ،النوافذ ،الحدائق، المقابر، المقاهي، الكورنيش...) وغير ذلك من المظاهر الحضارية والثقافية  التي تنماز بها العرائش فكان الشريط على ما يتضمنه من مآسي فسحة سياحية ماتعة بجمالية مدينة ضاربة في القدم تقدم لوحة تختزل ثقافة وحضارة الغرب الإسلامي (الأندلس والمغرب) ...

2 –  تسليط الضوء على اضطراب نفسي قلما وقفت عليه السينما، نقصد  التوحد كاضطراب نفسي تُؤثر على قدرة الفرد في الاتصال مع المحيطين به وفي تطوير علاقات متبادلة معهم، مما يفرض تعاملا خاص مع الشخص المصاب بهذا الاضطراب، وهو ما نجح الشريط في تشخيصه بمهنية عالية، إذ استطاع إبراهيم تحت إدارة المخرج ترجمتها بدوام الحركة والحركات المتكررة، والدوران في دوائر، والتلويح باليدين. مع إتقان تشخيص حساسيته المفرطة للصوت والضوء واللمس... وهو ما خلق متاعب لهدى التي كادت أن تفقده في إحدى نوباته لما هيجه صوت منبهات السيارات وسط المدينة... ورغم ما يبدو على صاحب هذا الاضطراب النفسي من هدوء فقد يخرج عن سكينته كلما حدث تغير في وثيرة حياته أو شعر باحتقار أو تهديد، كما حدث عند دفاع إبراهيم عن زوجته في حادثة كاد يقتل فيها جاره السكير لكماً... هذه المشاهد وغيرها تبين بجلاء إحاطة كاتب النص، المخرج والممثل بخصوصية هذا الاضطراب وإلا لما نجح الشريط في توصيل الرسالة ...

3 - التركيز على أهمية اليدين في تشخيص اضطراب التوحد، وقد تجلى هذا التركيز في مشاهد كثيرة تم ال(mooz) فيها على يدي إبراهيم  وهو يوظفهما في اللمس ، في الرسم، في التفتيش عن الأشياء، في ترتيب الأغراض في نظافة الجسد وتنظيف المحيط... ويكفي الوقوف عند مشهد ردة فعله إبراهيم تجاه صوت قطرات الصنبور التي أفقدته التركيز في إتمام إحدى اللوحات، لتتضح رمزية الصورة وبلاغتها وهي ترصد تفاعل يديه مع الصنبور رصد  يصعب تصويره باللغة مهما كانت بلاغتها....

4 – هيمنة بلاغة الصمت وتعبيرية الإيجاز على لغة الحوار في الشريط، مما يعكس مهنية كاتب الحوار وسعيه إلى إثارة العقل وتحريك ذهن المتفرج، فكثيرة هي المشاهد التي كانت خالية من الكلام ودون حوار، ومشاهد أخرى كانت بها لغة مقتضبة وكلمات قليلة مشحونة بمعان كثيرة، مما أحال بعض الجمل التي تلفظ بها الممثلون إلى حِكم، أكيد سيظل رنينها يتكرر في أذن المتلقي بعد نهاية الشريط ويكفي أن نقدم هذه الأمثلة القليلة دليلا:  (وحدها أمي كانت تعرف الكلام معي وحدها) (اليد التي ترسم لا  تضرب) (الناس لا يحبون إلا الذين يشبهونهم) (الذي يضربك يا حفصة لا يستحقك) (ضوء الشمس يمنح الحياة للطبيعة) (الأشياء الجميلة يجب أن نراها بقلوبنا وليس بعيوننا فقط)...

5  لعل من أهم العلامات الفارقة الدالة في هذا الشريط حضور الفنون التشكيلية  كفنون بصرية تستهدف إبداع أشكال مجسمة (الخزف) أو  صورا على سطح (الرسم) ، وعدم اعتبار تلك الفنون عناصر تكميلية للمادة التي يحكيها الشريط، إذ سعى شريط "ستة اشهر  ويوم" إلى جعل الرسم والخزف بؤرة مركزية في الشريط يولد أحداثا ويساهم في تطوير أحداث، يسمو بالبطلين عن مستنقعات الواقع،  وكأن الفنون التشكيلية هي أساس العلاقة القوية بين البطلين، فالزوجة تقدر موهبة زوجها وهو ما جعلها مستعدة لفعل المستحيل من أجل راحته، ويكون بذلك التشكيل وسيلة للترفع والتسامي، وتفجير الموهبة  والتخلص من الضغط الذي يمارس على الفنان، ويسمو به فوق قتامة الواقع وهو ما عبرت عنه هدى لما أهداها إبراهيم صورة لها : (دائما ترسمني أحسن من الواقع)

6 -  كان تكرار بعض المشاهد بطرق مختلفة إحدى علامات الجمال في شريط (ستة أشهر ويوم) كما تجلى في تكرار الجنائز ، تكرار الذهاب إلى المخبزة ،تكرار الذهاب إلى ورشة الخزف، تكرار الدخول والخروج من الباب.... وكل ذلك من مظاهر الحياة تأكيدا على التعود، وخدمة لاضطراب التوحد الذي يعانيه البطل، دون أن يشعر المتلقي بأن هذا التكرار يفقد شيئا من تطور الأحداث أو من جمالية الشريط، فقد يتساءل المتفرج مثلا ما سر تكرار شراء الخبز من المخبزة، وتكرار الجنائز؟ لكن سرعان ما يتبدد هذا التساؤل عندما نرى العبرة من ذلك التكرار في اختفاء الرجل الذي اعتادت هدى رؤيته قرب المخبزة كل يوم وهي تنتظر أجلها... كما كان اختيار آخر مشهد حول جنازة للحديث عن جنازة زوج وزوجته كانا يحبان بعضهما وتوفيا في نفس اليوم بعد 65 سنة زواج وحب بحق أهمية رسالة يمكن أن يبلعها التكرار...

7 -  وهناك نقطة أخرى مضيئة بقوة في الشريط لا يختلف حولها اثنان تتعلق بالكاستينغ واختيار الممثل الأكثر ملاءمة للدور، وهنا لا بد من الإشادة بالكاستينغ ديريكتور السيد سمير بوتكورة (وهو الدور الذي لا ينتبه له النقاد في العادة ) على الاختيار الجيد للممثلين الذين اندمجوا مع الأدوار المنسوبة مهما كان الدور ثانويا، لدرجة يعتقد المتابع للشريط أنه لا يمكن لغير هؤلاء الممثلين أداء تلك الأدوار، إذ كان كل ممثل يوحي بأن الدور من حياته ولا يمثله، يتجلى ذلك في ملامحه حركاته تصرفاته نظراته طريقة كلامه لم تترك إدارة المخرج شيئا للصدفة  كل شيء يدل في الشخصية يشد المتلقي إليه فيتعاطف معه أو يحقد عليه... فبالقدر الذي تعاطف به المتفرجون مع هدى حتى كاد أغلبهم يقتنع أنها فعلا مصابة بالسرطان، بنفس القدر تفاعلوا مع زكريا عاطفي وحقدوا عليه لما فعله بأسرته حتى اعتقدوا أنه سكير شرير ليس مجرد نشخص للدور...

8 - كان للطبيعة حضور لافت في الشريط، طبعا لانقصد هنا الطبيعة بمعناها الفلسفي العام (كل ماهو غريزي وبيولوجي ومشترك بين الإنسان و الحيوان، والذي يقابل  مفهوم الثقافة الدال على ما هو مكتسب من معارف ومعتقدات و أنماط عيش مختلفة. وإنما نقتصر في الطبيعة على المناظر الطبيعة التي شكلت فضاء للتصوير الخارجي، (وإن كانت الطبيعة في الذات الإنسانية بالشريط تستحق دراسة خاصة) كما أننا سنتجنب الوقوف على فضاءات الطبيعية داخل المدينة (حدائق كورنيش..) لأن الإنسان تدخل فيها وهيئها وفق رغباته، ربما لذلك لم تثر شيئا في إبراهيم ولم تحرك مشاعره، مثل الطبيعة العذراء سواء بعناصرها الحية كما تجلى في تفاعله مع الحصان فما أن رأى الحصان بجانب نخلات باسقة يحرك رأسه صعودا وهبوطا حتى لبّـى النداء في تجاوب عاطفي بينهما، ليتم  تغيير الكادراج وتكيبر (mooz) الصورة في مشهد قائم على التوازي بين البطل والحصان لا يفسده إلا من لا يتوق الفن بتدخل صاحب الحصان... أو الطبيعة بعناصره الجامدة كالأشجار والغابات والشمس والبحر... وعلى الرغم من كون العرائش مدينة بحرية بامتياز ولأن البحر يصدر صوتا قد يكون  عنصر تشويش على المصاب باضطراب التوحد فقد شكلت الغابة متنفسا حقيقيا للبطل. هكذا كان من أطول مشاهد الشريط، مشهد يعكس حلول الذات الإنسانية في الطبيعة ومشاركتها الهموم والأحاسيس هو مشهد البطل والطفل في مشهد غابوي  (مشهد ممتد على أزيد من ثلاثة دقائق) يتم فيه المقارنة بين الإنسان والأشجار ، ويتم الاستماع لصوت الشجر ومخاطبته عندما لا يجد البشر من يستمع إليه...

9 –  الجانب القيمي في شريط (ستة اشهر ويوم) حاضر بقوة من خلال عدد من القيم الإنسانية  التي لا مسها، حتى ليكاد كل مشهد يقارب قيمة إنسانية ما...  وتبقى قيمة الحق في الاختلاف والعيش المشترك، والتنازل عن الأنانية وقبول الآخر كما هو التيمة المهيمنة على ما يعالجه الشريط، بالتنصيص على حق أولئك الذين ينظر إليهم العقل الجمعي على أنهم مختلفون إما لإعاقة جسدية أو ذهنية فيهمشهم ليعيشوا عزلة أبدية مهما كانت مواهبهم وقدراتهم، ليضعنا الشريط أمام إشكالية واضحة : أين نحن من ذوي الهمم وكلٌ منا معاق من جانب ما؟

فعلى الرغم من كون إبراهيم فنانا تشكيليا قليل الكلام لا ينطق إلا حكمة، يحب الحياة ويحب النظافة متفوق في دارسته وكان الأول على دفعته، يحب زوجته ولم يصدر منه أي فعل مشين ضد الإنسان أو ضد الطبيعة ولا أي سلوك عنيف إلا إذا كان دفاعا عن النفس... فإن الكل ينظر إليه نظرة احتقار فقط لأنه مختلف عن الجميع...

لذلك كان يجد راحته في الطبيعة ويتمنى لو كان الإنسان مثل الأشجار يقول في إحدى حواراته: (لا شجرة تشبه الأخرى ، كل شجرة من نوع خاص... ومع ذلك الأشجار تتعايش مع بعضها ليس مثل الناس الذين لا يتعايشون إلا مع من يشبههم  ومن لا يشبههم يعيش حياته دون أصدقاء ) وفعلا عاش إبراهيم (ومثله في الواقع كثيرون) معزولا مهمشا، يقصد الطبيعة التي تفهمه يقول للطفل زياد ( الأشجار تتكلم... عندما كنت في مثل سنك، كنت كل يوم آتي إلى هنا وأسمع ما تقوله الأشجار ...) (يحضن جذع شجرة ويطلب من الطفل فعل الشيء نفسه ويسأله هل تسمعها ...) لعل أهم الرسائل التي تيغيى المخرج إيصالها للمتلقي هي الدعوة إلى الإيمان بالحق في الاختلاف وحق الآخرين في العيش المشترك ونبذ الظلم والكراهية والحقد عسى نعيش في مجتمع يتسع للجميع، وتتاح فيه  الفرص حسب الكفاءات مع الدعوة إلى تقدير من يحبنا قبل ضياعه منا كما فقدت حفصة زوجها الذي كانت تعيش معه على مضض وقبلت بزوج يعنفها    

10 -  نقطة أخيرة لا تخطئها العين، وهي إيجابية المرأة، فبخلاف عدد من الأشرطة التي  تقدم صورة سالبة عن المرأة (عاهرة، خادمة، معنفة، مطلقة ،أمية... ) إن شريط (ستة اشهر ويوم) يقدم صورة إيجابية عن المرأة الصبورة القانعة المضحية والفاعلة... هكذا قدم كل النساء إيجابيات: (صفية ضحت بشبابها مع مسن تعتني به لا تخونه قانعة بقدرها... خديجة شابة عاملة طموحة مخلصة لخطيبها  وعلى نفس الصورة قدم الشريط كل النساء من بائعات الخبز وزبائن الورشة التي كانت واحدة منهن خريجة مدرسة الفنون الجميلة تقدر الفن والفنانين...  وتبقى البطلة هدى نموذج للمرأة الإيجابية المتعلمة القوية العاملة القائدة... تحمل في حوانها جبالا من الهموم دون أن يؤثر ذلك على عملها ولا على علاقاتها الاجتماعية... تُوثِر زوجها على نفسها ... وحتى في مقر رعاية المسنين ظهر كل الرجال بصورة سالبة  سواء كمرضى أو كمسؤولين لا يقدرون المسؤولية فيما كانت صورة المرأة بهذه المؤسسة الصورة الإيجابية الوحيدة تجيد الإنصات لا تتجاوز الصلاحيات المسموح بها...

 أمام هذه الصورة الإيجابية للمرأة ظهر الرجال وإن كانوا نماذج لما هو في المجتمع أقل إيجابية فتوزعوا في الشريط بين الرجل المتسلط الذي يضرب ابنه، والرجل المريض المقعد (والد إبراهيم، الشاف المدني بدار العجزة، الرجل المقعد أمام المخبزة ... ليكون الرجل الإيجابي الوحيد إلى جانب البطل هو الطفل زياد الذي يعشق الرسم ويحب الحياة ولا يعرف قلبه حقدا أو ضعينة في إشارة إلى عقد الأمل على الأجيال القادمة لبناء مجتمع يتسع للجميع

في الختام نقول إن شريط ستة أشهر ويوم شريط يتوفر على كل مقومات النجاح سواء في موضوعه وما يقاربه من تيمات اجتماعية، أو في جوانبه التقنية مما لا يتسع المجال للوقوف عندها كلها سواء على مستوى التصوير والإخراج والمونتاج الماكياج والملابس، والصوت دون نسيان مناسبة الموسيقى التصويرية للمشاهدة مما أضفى على الشريط مسحة رومانسية تحببه للنفوس، وتترك هامشا للمتلقي لبناء موقفه من القضايا المعروضة عليه مثل تعنيف الأطفال والنساء، تهميش ذوي الهمم... وهو ما يفسر نسب المشاهدة العالية التي حققها الشريط.