عبد الله أيت سي: إليك عزيزتي أكتب في شتاء هامش الوطن...


عبد الله أيت سي :
هو شتاء ماي يا عزيزتي من فكرني بعد أن كدت أنسى ملامح وجهك، وابتسامتك الوردية وعيناك العسليتان كقهوة صباحية خفقت نكهتها ،لقد فكرت فيك يا إنسانة وأردت السؤال عن أحوالك فقط ،هل أنت بخير ؟،أنا أيضا لست بتلك القسوة و الصلابة التي تعتقدين ،يهزمني الزمان والمكان من وقت لآخر و لكن أستيقظ و اتعارك معهما، أفعل أي شيء لانتصر على كل محاولات الإحباط التي قد تحيط بي ،اكسر روتين الحياة بكأس نبيذ رخيص من إنتاج عمال مقهورين هضم الرأسمال حقوقهم، أشغل موسيقى لاتينية أو شعر محمود درويش أو فيروز ،هو لا يهم نوع الموسيقى التي نستمع لها ،المهم أنه في تلك اللحظة يعجبنا مقطع منها وننصت ،يا عزيزتي الشتاء يذكرني بك دائما، هذه السنة تأخر وكأنه أراد أن يوبخ الجميع على كل هذه اللامبالة وقلة الحب ،يود أن يأتي غفلة من العشاق ليتأكد من نواياهم الحقيقية ،لايريد أن تنبث الأرض هذه السنة سنابل ،لربما اشتكت له وتعبت من كثرة استغلالها و عدم ايلائها أهمية تذكر وهي التي تغدق بالخيرات على بني البشر ،ربما أراد أن يكون صيفنا باردا وشتويا وترتاح فيه الأشجار من الثمار ،وتهاجر الطيور في غير موعدها ،هي تكهنات يا عزيزتي كما هي تكهناتي في عشقك ،لقد ابعدني الزمان واقتربت من عزلتي التي تعشقني وابادلها الشعور، حتى كتبي ظلت ترواح مكانها ،كلما قرأت بضعة أوراق رميتها وتبقى في مكانها حتى تحيط بها خيوط العنكبوت التي تبدع بنسج بيوتها في كل مكان حتى وإن تم كنسها،كتبي تشكني يا عزيزتي كما اشكي حبي وهوسي بك لليل دامس أو للبذر الناصع في بعض لياليه ،وحدها قططي من تبحث عني كلما حان موعد أكلها في العشاء ،أو ورود أمي التي تنادني لاروي عطشها ،لم يعد يسأل عني أحد ولا هاتفي يرن إلا لمشكلة أو خبر سيئ،أو إجتماع تنظيمي أو شكل إحتجاجي،نعم يا عزيزتي كلما نظرت إلى المرأة أجد نفسي كبرت عن الحب ،لم أعد كما كنت شعري أشتعل شيبا وهو الذي كان قبل عقد تتلاعب به الرياح ،عيناني الخضرواتان لم تعد تجذب عيون النساء ،وأنا الذي خبرت الحب وفشلت لفقري المادي وليس الفكري ،هي هكذا الأحوال يا عزيزتي يوم لك ويوم عليك ،لكن أتدرين لقد تجنبت كثيرا الغوص في أعماقي ونبش الماضي السعيد أما الحاضر الممل فأبتسم في وجهه كلما أراد أن يختبر مدى ضعفي ،أما المستقبل فلقد تركته يقرر مصيره ،مازلت أخد الحياة على محمل الجد وأرغب في تغيير ما استطعت إليه سبيلا مسلحا في ذلك بعزيمة الأجداد الذين ضحوا بأرواحهم لتنعم الأجيال بالحب و السلام، فكرت مرارا في الرحيل إلى وجهة أخرى دون عودة لكن الروح تأبى ذلك إنها تعشق هذه الجبال والبساطة البدوية لفلاحيها الفقراء المتشبتين بالأرض رغم غدر الزمان ،لم أعد أشتري ملابس جديدة ولا عطر ولا كتب لقد إكتفيت بما لدي ،فالكتابة جعلتني أنسى كل هذا ،فكرت في بناء عش يأويني فاستغنيت عنه هروبا من جحيم التقليد ،في هذا الشتاء يا عزيزتي بعد كل هذا الكلام غير المرتب و لغة المجاز والاستعارة ،أود أن أرسل إليك باقة من الوفاء والحب والمقاومة على تجاهلك مؤكدا لكي أن الحب دائما هو ما يربطنا بالوطن كما ترتبط الأشجار بتربتها حتى و إن ماتت تنبث جذروها من جديد ، أود أن ابوح لك بما يخالج شعوري في هذه اللحظة وأنا أمسك قلمي بيد و سيجارتي بيد آخر لاحدثك عن طريق ملئ بالاشواك ولكن في جنباته تزهر الورود أيضا، أتجاهل الاشواك و أسقي الورود ليستمر الحب والسلام وينعم الجميع بالحرية ،أخيرا يا عزيزتي مازلت أفتح نوافذ غرفتي في الليل حينما ينام الجميع لأتزود منه ببراءة من العشق الذي لا يعرف معناها إلا الساهرون على عتبة وطن حولته البرجوازية إلى مجرد شبح نائم، لا يوقظه إلا صرخة مظلوم أو مهمش أو كادح أو فقير أو جائع، وطن أصبح فيه ليله أجمل من نهاره ،ومع ذلك نستيقظ في صباحه الباكر لكي لا يقتلنا خمول الكثير من الغوغائية التي أصبحت تسيطر على الغالبية العظمى من أبنائه وبناته بكافة مشاربهم ،إلى يوم آخر حينما أتذكركي و يحملني الحنين إليك رغم استحالته لا يسعني سوى أن أتمنى لك كامل التوفيق والنجاح في كل شيء تحبينه شرط أن تكون الفضيلة والخير الأخلاقي المشترك للجميع هو مغزاه الأبدي، هو عشقي الأبدي للحرية هو من جعلني أكتب إليك عزيزتي في هذا الشتاء الذي أتى على غير عادته في شهر ماي شهر العمال شهر الإنتصار على الفاشية ،شهر لا يحبه إلا الحالمين بغد يوحد الشعوب غد الاممية توحد البشر تحت راية المطرقة والمنجل ،عالم المنتجين المبدعين الأحرار العاشقين .

تنويه : الصور والفيديوهات في هذا الموضوع على هذا الموقع مستمده أحيانا من مجموعة متنوعة من المصادر الإعلامية الأخرى. حقوق الطبع محفوظة بالكامل من قبل المصدر. إذا كان هناك مشكلة في هذا الصدد، يمكنك الاتصال بنا من هنا.