عبد الله ايت سي / اليك عزيزتي اكتب وسط هذا العبث




عبد الله أيت سي . 

اكتب إليك عزيزتي وسط هذه الجبال، ليس لرغبة ذاتية أو لغاية ما ،بل إستجابة لنداء العقل الذي يسألني عن كل هذا العبث المحيط بنا ، و الذي قام بتسييج الكثير من المشاعر التي ربطها أشد الإرتباط بالمصلحة ،و فقد فيه الوجود المعنى الحقيقي للحب. عزيزتي ونحن على مشارف فصل الصيف و أنت تستعدين لحزم حقائبك في إتجاه الشمال أو الجنوب ،رغم أنني متأكد ان الحنين يشدك إلى الجنوب ببساطة أناسه و شواطئه الهادئة بل أساسا لأن كينونتك مرتبطة به ،يذكرك عن أول قبلة صادقة على شواطئه في فترة جزرها ،عن شمسه الذهبية و غروبها، عن نسيم الحرية الذي تعلمته من هنا بعيدا عن رقابة المقدس ،عزيزتي دعني أقول لك أنني مازلت احن للقائك في خضم الصدفة ،في زحام زقاق المدينة القديمة، في السوق على أكلة سمك الجنوب الذي لا يوجد منه شبيه ،في حانة الألمانية مع موسيقى موزار، في رحلتنا و وحدتنا بعيدا عن ضجيج المدينة حينما تنام ،في المنزل الريفي المطل على بحر الحب بصوت جارة القمر الذي يحرصنا،لنصرخ حينما ينام بضعة ممن هم مثلنا ،و نسمع صدى صراخنا لنغني و نرقص ونتخلص من عقدة الجسد ،لنلقي بقيود المقدس و الأنا و الأخر في تعاسة الزمان والمكان. عزيزتي لا أدري ما إذا كنت اليوم تودين فعل نفس الشيء لو كتب لك زيارة الجنوب مجددا، أم أنك انخرطت في لعبة التمثيل و نفاق المجتمع ،أم أنك اليوم ملتزمة بالأسرة و المسؤولية و المطبخ و الحديقة و الكي و الطهي ،لا يهم كل ذلك العبث الذي تعيشنه اليوم ،والذي كنت تناضلين ضده في الماضي المهم أن تصرخي في وجه زيف كل تلك الشعارات التي كنا نرفعها يوما ما في وجه من كنا يوما نعتقد أننا لن نصبح مثلهم، و لن يقودنا العبث لتكرار أخطاء الماضي ،بل كنا نفكر في تجديد و إعطاء معنى للحياة قيمتها الأساسية الحرية و الكرامة و المساواة و العدالة . 
عزيزتي أود أن أقول لك أنه منذ رحليك لم يعد لي رغبة في الإقدام على إحتفالات الصيف، و لا أزور الشاطئ إلا لشرب قهوة أزيل بها عياء و سهر ليل قادتني الأقدار مجددا للنقاش الفكري و السياسي فيه، فطال حتى غسقه فاكملت رسم لوحته حتى سماع ضجيج المستيقظين صباحا من المستضعفين ، و المتجهين خلف كواليس حياة فقدت الكثير من معانيها الجميلة بسبب وحشية الرأسمال الذي شيء حتى الإنسان ،لم أعد أهتم بمشاعر الصيف فهي بالنسبة لي خاضعة و لاثقة فيها ،شيء واحد أحب فعله هو القراءة فهي تجعلني في مواجهة مباشرة مع العقل،تزيل عنه ما علق من اوساخ و ترتبه و تقوده للتفتح للتقدم ،في الفلسفة يجد العقل ظلاله المليئة بالحب و العشق للاستفسار و الجدل و النقد و الصراع من أجل تهذيبه ،فالصيف يا عزيزتي لم يعد يغرني لقد فقد معناه بالنسبة لي لهذا أطلق فيه العنان لحيتي و ألتهم فيه الأوراق صباح مساء لعلني أبتعد قليلا بعقلي عن عبثهم عن قيود سجانهم عن رجعيتهم في النظر لكل الأشياء الجميلة في هذا الكون ،إنني أقضي على فكر الكاهن مرات كثيرة في اليوم، كلما تقدمت في الفلسفة وجدت الحقيقة التي أبحث عنها ،مرة مرة أتذكر وجهك الملائكي وشغبك و ثورتك كانثى لا أدري لما ينتهي البعض بالكثيرات في الانخراط في عبثية الحياة و يتركن سعادتهن جانبا، هو لربما الغريزة و حب التملك و الوصاية ،أو لربما البنية الفكرية المتخلفة للمجتمع. أكتب لك عزيزتي من الجبال،
 و سأظل أكتب لك في المستقبل لاذكرك بكينونتك و وجودك كامرأة حرة مستقلة ،بالحاجة الملحة أن نستمر في المساهمة في التنوير و نشر نسيم الحرية في المجتمع، هو الصيف مجددا من ذكرني بك كما ذكرني بك من قبل الشتاء ،هو شغفك للحياة و أملك في الإستمرار جنبا الى جنبا مع الرجل كقوة لبناء الديمقراطية و الثورة على البطريركيّة كأداة طبقية مازالت تكبل تحررك الذي هو جزء من تحرر مجتمع بكامله ،إن تخلصك من الحمولة الزائدة للتربية المتحجرة الرافضة للتحديث و المنجرة لماضي غابر ،هو وحده الكفيل بجعلك تقودين المستقبل يوما ما في إتجاه إنهاء هذا العبث ، و الذي ظل لقرون يسكن هذا الوطن و الشعب دون أن يتمكنوا التخلص من براثين رجعية باعت كل الأشياء الجميلة في سوق النخاسة ،عزيزتي لا تنسين أن تقضي صيفك و تستمتعي بشواطئ الشمال أو الجنوب ،و لكن لا تنسين في خضم إحتفالك أن تعرج على ماضيك قليلا و أن تنظري لحاضرك و تستشرف المستقبل، رافعة قبضة يدك ملوحة بالنصر للجياع للكادحين للمهمشين .
تنويه : الصور والفيديوهات في هذا الموضوع على هذا الموقع مستمده أحيانا من مجموعة متنوعة من المصادر الإعلامية الأخرى. حقوق الطبع محفوظة بالكامل من قبل المصدر. إذا كان هناك مشكلة في هذا الصدد، يمكنك الاتصال بنا من هنا.