عبد الله أيت سي :
يا جبال أدرار تكلمي وقولي لنا ما هذا السر الذي تخفينه منذ قرون ولم تبوحي به
بعد ،تكلمي لنعرف من نحن ؟ ماذا نفعل هنا ؟ وما الدور الذي نقوم به في هذا الوطن ؟
نعم إنني أطرح عليك كل هذه الأسئلة يا عزيزتي بعدما تعبت من طرحها على الإنسان،
قولي لهم أنك شاهدة على كل صغيرة و كبيرة مرت من هنا على جيوش الغزاة و قطع الرقاب
ونهب خيرات البلاد والعباد ،تحدثي عن ما يجعلك هكذا شامخة وصامدة ، حدثينا عن من
زرع فيك هذه الأشجار وشيد المدرجات و القلاع ،عن الإنسان الذي سكن هنا من أين
يستمد قوته ،فجيلنا يجتر اذيال الهزيمة تلوى الأخرى و اقترب من الاستسلام ، عن الأعراف التي كانت
قوانين وطمست اليوم و أصبحت مجرد ذكرى ،عن ديمقراطية تويزة ،والتقسيم العادل
لخيرات الأرض، عن المعارك الضارية التي خاضها رجالك ونسائك ضد الإستعمار المحلي
والأجنبي، عن الخونة والمرتزقة الذين استعانوا بالغازي لسلب الأراضي من سكانها
الأصليين، عن لغتك التي يورثها جيل بعد جيل رغم سياسة التعريب والتدجين والتنميط
،عن أولئك الذين إستغلوها للترقية في السلالم ،عن الثقافة التي حولوها إلى مجرد
فلكلور ،يا جبال الجنوب ما كل هذا الصمت الذي يخيم على هذا الوطن وأنت الشاهدة على
حجم المعاناة التي كانت ولا تزال موجودة بيننا ، تكلمي عن المرأة و تهميشها و
إستغلالها المزدوج أليست؟ هي التي تعتني بك حينما يهاجر الرجال ،أليست؟ من تغني لك
وتزفك كعروس كل مساء أثناء غروب الشمس باهازيج من الحب والسلام ،هل أنت راضية على
الوضع أم أنا ثورتك ستعلن الفصل بين الوطنية و الخيانة ،أين هي عجائزك المسلحة
بالفضيلة ،أم أن رحيلها جعلك حزينة و وحيدة تواجهين مصيرك لوحدك ،آه يا جبال
الأجداد المسلحين بمبادئ العزة والكرامة والمعادين للظلم والقهر و اخلاق العبيد،
لقد حاولوا من قرون تركعيك فاستعصيت عليهم ،هاجر منك الأجيال للالتحاق بالمدن
الصناعية و فضلوا إستغلال الرأسمال لقوة عملهم على خدمتك و إنتاج الخيرات التي
تزخرين بها ،مما سيمكنهم من اكتفاء ذاتي يغنيهم عن عبودية العمل التي يرزخون تحت
نيرها، فلاهم حصلوا على الكرامة ولا الخبز ،يا جبال المقاومة أريد أن أقول لكي أنهم
اليوم يريدون أن يفوتوك بقوانين استعمارية حاربتي من أجل رحيله سموها
"التحديد الغابوي" يجهزون ترسانتهم لتسييجك في إنتظار تفويتك لمن يدفع
أكثر، يريدون اليوم أن يقيدوك بقوانينهم وأنت التي كنتي دائما حرة تستقبلين القاصي
والداني بحب برئ براءة الذئب من دم يوسف ،ستعود الأجيال المهاجرة يوما ولكنها
ستجدك سجينة ،ولا أدري هل سيحرورنك من قبضة العدو ،أم أنهم سيتحالفون معه لدق آخر
مسمار في نعش تاريخك الملئ بالبطولة وعدم الاستسلام، أيتها الجبال في كل مكان من
هذا الوطن الغالي، لن يحبك ولن يدافع عنك إلا ابنائك وبناتك من الشرفاء هناك
القليل منهم فقط لكنهم مستعدون للتضحية حتى آخر قطرة دم من عروقهم /ن ،لقد همشت
سياستهم التفقيرية المتعاقبة ساكنتك لا تعليم ولا صحة ولا شغل لا بنية تحتية لا هم
يحزنون ،حولوا رجالك إلى مجرد أرقام إنتخابية يعودون إليها مع كل موسم انتخابي،
يوزعون الوعود شمالا ويمينا وبضعة دراهم يشترون بها عبيدك ،ليرحلوا مجددا إلى حين
آخر، لقد ضرب العدو الطبقي المسيطر الحصار عليك ،لا لشيء سوى أن تاريخك يذكرهم
برجال ونساء يبثون الرعب في نفوسهم من شدة خوفهم من كل إنتفاضة ممكنة ،يا جبال جيش
التحرير والمقاومة الشاهدة على تاريخ من الكفاح والنضال من أجل تحرر الأرض
والإنسان، لن تنفع كل مخططاتهم التي يصغونها بقوالب من المكر والخداع للسيطرة عليك
،نعم هذا الجيل لا يرجى الخير في غالبيته لأنه أصبح عبيدا للكاهن و السياسي ،ولكن
هناك دائما من يحميك من براثين الاستبداد والفساد، هي قضية مبدأ و نظرية متصلة
بالممارسة ،فأنت معقل الفلاحين الفقراء الذين سرق كبار الاقطاعيين حقوقهم ،هم من
ينجبون خيرة المناضلين والمناضلات في شتى المجالات ،هو التاريخ يحتفظ بكامل أسراره
لن يبوح بها إلا حينما تحين تلك اللحظة التاريخية الفاصلة في تاريخ الشعب ،يا جبال
أدرار نعاهدك على الوفاء لدماء شهداء الوطن الذين يراد لهم النسيان من طرف حفنة من
الخونة ، لكن سيظلون أحياء في وجدان المنتجين الأحرار و سيكرمون احسن تكريم حينما
يحسم الصراع الطبقي كل هذا الإستغلال الجاثم على وطن الكادحين والكادحات .
