صلاح الدين عبدو / أنقذوا أطفال أدرار.. أطفال جماعة أيت امزال.




صلاح الدين عبدو :
الصيف يلقي بظلاله مرة أخرى مسدلا الستار عن ربيع غاضب قاحل..خريف قبل الأوان، أوراق بريئة تتساقط واحدة تلو الأخرى في مد و جزر بين قساوة المناخ و قسوة الطبيعة.
الطيور فقدت براءتها و غَدَت تغني سمفونيات طفولية حزينة بين أنين و نحيب ،عَلَّ الزمن المغربي يجود عليها بٱبتسامة عفوية معناها "كلنا وطن ".تجاعيد الجغرافيا لم تعد تمنح الكلأ للأغنام، ولا أن تزود أمّاً لسبعة أبناء،بثمرة شجرة الأركان تتصدق على الأفواه بمذاق مريح و تسد الرمق و لو لبرهة قصيرة.بعدما أضحى ما سمّوه ب "المِلْك الغاباوي" يَحُدُّ ثُخوم المنازل .
جماعة أيت امزال إحدى المناطق التي انضافت إلى عداد الجماعات المفقودة التي أخلفت موعدها مع التنمية،هي لَرُبّما أفقر جماعة على صعيد إقليم اشتوكة أيت باها !،نسبة الفقر لا تبشر بخير،حسب إحصائيات المندوبية السامية للتخطيط،وبين سنة 2004 و نهاية 2014 ،ما يقارب عقد من الزمن ،فهل تغير شيء مُذْ ذاك،أم أن حليمة لازالت على عادتها القديمة وظلّت دار لُقمان على حالها؟!
تحت الجدران ،في الحوانيت و في كل فج عميق من هذه الرقعة ،لا نقاشات إلا على الأساسيات ضمنها الدقيق المدعم، "الشعب يريد أَغْرُوم "،هكذا تمتمت و ضحكت سخرية من الواقع الوقح الذي يغتال الأحلام الوردية ،إنها فعلا مفارقة كبيرة في مغرب الألفية الثالثة و العهد الجديد ،عفواً يا بلد المتناقضات أنا حقا آسف لما آلت و تؤول إليه الأوضاع .شعب يفكر في الخبز،هاجسه اليومي أن يحصل على كيس آخر من الدقيق المدعم ،الرخيص الثمن ،بعدما تكاثر النسل و ازداد عدد الأفواه التي تنتظر رغيف خبز كريم.
نفس الأغنية تغنى كل يوم بل في كل لحظة ،أغنية الألم و العدم ،كيف لا و كل الدواوير لا توفر الشروط الأساسية للعيش الكريم ؟!،ما بالك بأن تبنى بنيات إدارية و اجتماعية لدعم سياسة القرب الحقيقية ؟!،لا سياسة القرب التي أسمع عنها و أراها في الإعلام ،إعلام للمركز و تهميش للهوامش ،متى جاء الإعلام ليشرك مواهب أيت باها أودرار و ما جاورها في مشروع فني وطني و في إطار ما يطلق عليه تلفازنا المخططات الإستراتيجية و ما إلى ذلك من المفاهيم النخبوية من قبيل الحكامة الجيدة أو الرشيدة أو الجديدة ؟!،مهما كانت النعوت فالفقراء في أدرار غير النافع سئموا من سماع تلك الأغنية المنمقة التي لا تنتهي ،بل أن تلك المفاهيم النخبوية أصبح يرددها كل من هبّ و دبّ في المجتمع المغربي ،من كثرة البرامج التي تستهدف السياسة السابقة الذكر،لم نعد نستوعب تلك المصطلحات ،سأقولها بتعبير "بوزبال" ، ءبِيّن لِيّاء ،دُلُّونا على حصتنا من الكعكة ،فساكنة أدرار سيما أيت امزال لم تحضى بشيء من القسمة.
امنحوا أطفال الدواوير المنسية فرصة البوح و التألق ؛فلا الأسرة تقدم يد العون ،و من أين للأسرة رصيد الدعم لتقدمه؟!، "فاقد الشيء لا يعطيه !" ،كل أفراد الأسرة في سلة واحدة ،الابن سافر إلى "الحواضر الكبرى " لبناء أوراش المغرب الحديث و حفر الآبار لكبار الفلاحين ،الآباء غائبون في طيلة اليوم "راكضين" خلف دراهم معدودة لتأمين قُفّة المساء .الأبناء البِكار مغتربون حتى إشعار آخر ،أقل مدة قد يستغرقونها بعيدين عن آباءهم ،ثلاثة أشهر،إنهم مُرغمون على قضاء وقت كبير في أماكن العمل لأنهم يستقرون طويلا حينما تتاح لهم إمكانية المجيء،إنها حقا حياة روتينية قدر أن يكون الفقر عنوانها العريض. ماذا عن المدرسة؟
المدرسة كخط نهاية سباق مسافة 5000 متر موانع،يحتاج الطفل للوصول إليها إلى نَفَس أضحى ينافس به نخبة أساطير المسافات الطويلة "عويطة -الكروج -بيكلي... " ؛كأنه في تمارين للتأهل إلى أولمبياد لن يطول انتظاره كَطُول الطريق غير المُعبّدة محفوفة بالمخاطر في دوار مرمي تم تأسيسه في إطار سياسة البعد تحت شعار ،"الحرمان من أجل التنمية" ،ءعفواً انسقت وراء القلم كدت أخرج عن السكةء ،لنعد إلى الأطفال فإنهم نساء و رجال الغد الذي ينتظر منهم الوطن الشيء الكثير ،إنهم آباء و أمهات المستقبل ،هم رجال و نساء الأفق البعيد ،المدرسة لا تقدم لهم الشروط اللازمة لتحقيق الغايات الكبرى التي سطرتموها في الميثاق الوطني للتربية و التكوين ،و أستغل الفرصة لاقتباس إحدى الغايات » توفير الشروط وفتح السبل أمام أطفال المغرب ليصقلوا ملكاتهم، ويكونون متفتحين مؤهلين وقادرين على التعلم مدى الحياة » ،فأين أطفال أيت امزال من هذه الشعارات،هل يأخذون جغرافية منشأِه بعين الإعتبار في مخططاتهم الاستراتيجية،ماذا عن احتياجات هؤلاء الأطفال و معاناتهم اليومية المريرة ،أماتت الانسانية والضميرحينما نشاهد فلذة أكبادنا يُدحرجون ويتقاذفون كرةً وسط طريق إقليمية تَعُجّ بالسيارات..رغماً عنهم في ظل تخريب والعبث بتجهيزات ،بل حرث ملعب كان ملاذهم الوحيد ؛وهنا أتساءل و أستغرب أَ الطاغوت النّمرود عاد إلينا من جديد ليطغى في الأرض فساداً و ظلماً ؟ أ انعدمت فيكِ خصال الانسانية و الأمومة و الحنان أيا من تجرّأتِ قياماً بهذا الفعل الخبيث ؟،حاكمةً على زهورٍ بالموت البطيء ؛ لكن إنْ لم تستحيِي فاصنعي ماشئتِ...ازْرَعي الخير والكرم ...تجنيْ الحب والاحترام ؛عوض تدنيس الحقائق و زرع الكراهية والعنصرية ...لِتحصدي بعدها الويلات ثم الويلات ؛ --فمتى استعبدتم الناس وقد ولدتهم أمهاتهم أحراراً --؛لكن حذار فحذار فَ الآنوعمراني المزالي الباهاوي الحر ك"البُركان الخامد" إن ثار يُذيق من "لاڨاه" كُلَّ معترض سبيله ..
هل قمنا بدراسة سوسيولوجية بين ثنايا هذه الدواوير العميقة لنعلم ما يملكونه حتى لا نقول ما ينقصهم ،و إِلاَّ فأين رواد السوسيولوجية القروية و معهم أولياء أمورنا من سلطات محلية و غير محلية لنخرج بأقل الخسائر و نجد مقاربة تنموية جريئة تتماشى و خصوصيات مواطن أدرار، إنهم أيضا مواطنون ،فمتى تنتهي بيروقراطية المواطن من الدرجة الأولى و مواطن من الدرجة الثانية فالثالثة، فالدنيا ؟!، أَ كُلّ المواطنون يساهمون بالضرائب المباشرة و غير المباشرة،؟! ربما نعم ،و كلهم أيضا يستحقون أكثر من التفاتة ،يستحقون أن تعبد الطرق و تبنى فصول الدراسة و مرافق الترفيه بل أكثر و أهم من ذلك يحتاجون إلى تغطية صحية و موازاة معها تغطية خُبزية ،أليس من العيب أن لا تتوفر الجماعة على مستوصف يقدم ولو تلقيحا ضد الكزار أو السعال الديكي ، بل هناك من الأسر من لا يبالي بأمر اللقاح لسبب أو لآخر ،تعددت الأسباب و الموت البطيء يزحف نحو المنسيون ،لسان الحال يقول أيضا "إلى متى ستستعيد دواويرنا ألقها و ننال قسطنا من الكعكة " ؟!،إنه في الحقيقة:
نداء امرأة تسللت الشيخوخة إليها في ربيع العمر،
نداء رجل أثقلت الأعباء اليومية كاهله و يتطلع للثريا لا الثرى،
نداء شاب يصارع الريح في ميدان البطالة الباطلة،
نداء طفل يرنو لرسم شلالات و شجيرات و نجوم الأمل تتلألأ في سماء البراءة. أقدامه تلاعب
إنه نداء استغاثة ،أراد أن يكون من خلال هذه الكلمات رسالة لكل الأحرار لينصب تذكارا للأمل ،و غدا مشرقا أمام هذه الطفولة التي تفقد آخر أزهارها في انتظار أن تلفظ الأنفاس بشكل تام و نهائي ،فلا ينفع الندم بعد فوات الآوان،لأننا سنكون قد خُنَّا أمانة جليلة ، والتي من الأجدر أن تنقش بحروف من ذهب في الأذهان و الأفعال…هذه الأمانة هي الإنسان،فأي كنز أغلى من الإنسان؟؟!
هذا نداء لكل القلوب التي لا تزال تنبض حيوية،أنقذوا المواطن المزالي الدفين حتى لا أقول العميق،تجاوز العمق و تخطاه ،أنقذوا أطفال أدرار،هم أطفال الحجارة،و أطفال البؤس و القحط ، أطفالا هم شموس الغد…
أنقذوا أطفال منطقتنا …أنقذوا أطفال الجبل.
تنويه : الصور والفيديوهات في هذا الموضوع على هذا الموقع مستمده أحيانا من مجموعة متنوعة من المصادر الإعلامية الأخرى. حقوق الطبع محفوظة بالكامل من قبل المصدر. إذا كان هناك مشكلة في هذا الصدد، يمكنك الاتصال بنا من هنا.