عبد الله ايت سي / شذرات مقهى على هامش الوطن ....؟؟




عبد الله ايت سي :
مد لي النادل قهوتي السوداء كما العادة دائما ما اؤكد عليه ان تكون مركزة جدا لازيل بها قليلا من تعب يوم عمل رتيب ممل كعادته ارتكنت في ركن بعيدا عن جموع الاصدقاء و الناس ، تصفحت هاتفي مطلعا على الأخبار أولا وما يحدث من حولنا مجددا حوادث هنا و هناك قتل سرقة اغتصاب اختلاس ارتفاع في درجة حرارة احتجاجات شعبية من هنا و هناك ،اخدت نفسا عميقا و اشعلت سيجارة، في الصيف ادخن بشراهة على عكس الشتاء لا ادري السبب، و لا اسال و لا اريد ان اعرف، تفكرت امي و هي كانت تعاني من المرض في هذه الفترة بالذات قبل أن تغادرنا ذات شتاء ،ربما اشتاق اليها و كيف لا الم تكن نعم السند و الرحمة، مر ابي من على متن دراجته النارية ملوح بيده و رددت بنفس الشيئ انه يكافح بنفس القوة و الثبات الذي عهدته عليه ،مازالنا نناقش كل شيء حينما اعود الى المنزل في الليل دون مقدمات و لا طابوهات ،لا ارتاح الا في منزل العائلة هناك فقط احس بسلام داخلي مازلت كتبي مبعثرة في كل نقط المنزل عجزت عن تجميعها في مكتبة ربما لانني أقرأها هكذا،حاسوبي لم اضع يدي عليه منذ شهر، مضى زمان طويل لم اجلس فيه مع نفسي لافرز جزء من تناقضات التي تخترقه ،اه نعم حتى المرء يعيش من مرة الى اخرى تناقضات عليه ان يحسم فيها ،في بلدتي التي تطل فيها الشمس بقوتها لا شيء جديد هنا نفس الحديث و نفس الروتين ،في مقهى الراحة الاسم الذي اطلقه عليه صاحبه المتقاعد من هولندا ،لا نرتاح الا هنا فضاء جيد ترى زهور و ورود و طبيعة زين بها صاحبها المقهى الذي تجتمع فيه كل فئات الشعب من عمال و كادحين و موظفين و معطلين ورجال سلطة ،كل فئة تناقش قضاياها التي تخصها ،العمال يناقشون بؤسهم و الكادحين كدحهم و الموظفين أمور الإدارة و بيروقراطيتها و قرارات المحكومة الأخيرة، المعطلين عن كيفية الخروج من العطالة ،جزء هام من الشباب يتبادل فيديوهات و الصور عن طريق خدمة واتساب ضحك هنا و هناك ،غالبية مركونة تتصفح هواتفها الذكية و لا تبالي هناك فئة لا علاقة لها بما يحدث من حولها من تغيرات ،لا شأن لها بزيادة الأسعار و لا بقوانين التي تخرجها الدولة و لا بمصيرها حتى و تتجسس على أعراض الناس ،فئة فقد فيها الأمل ،بقربي منتخبون يتحدثون عن شؤون الجماعة يا لغباوتهم يعتقدون أن الجماعة لها دور مهم في الحياة السياسية داخل الدولة و هي التي لا تتجاوز ميزانيتها عشاء فاخر لأحد الكمبرادوريين بالبلاد ،لابأس عليهم أن يستمروا في اعتقادهم، قرويين يناقشون عطش الدوار و هجوم قطعان الرعاة الرحال عليهم و على ممتلكاتهم لا حول لهم و لا قوة فهؤلاء محميون من طرف لوبيات المال و السياسة ،جزء كبير ممن يرتادون القهوة لا يناقشون سوى الأحداث و الأخبار بمنطق المتلقي دون المحللل أو المشكك ،أطفال صغار يرافقون أمهاتهم للمشي قليلا و الخروج في المساء من منازل اسمنتية أقرب للفرن في حرارتها بالصيف، فارحين في البلدة لا يوجد مسبح و لا حديقة جميلة و كبيرة مجهزة على الأقل ليرتاح فيها ساكنة البلدة،يهب نسيم من الرياح الباردة مختلطة برائحة مطرح النفايات الذي يتواجد بمدخل البلدية كأنهم يرحبون بزوارهم ،هدوء جميل في البلدة يجعلك تحب أن تبقى هنا لولا كل هذه السفسطة في كل شيء، المؤذن يعلمهم بوقت صلاة المغرب ،يهرولون إلى المحراب للقيام بطقس روتيني ،مر الكثيرون ممن أعرفهم مجرد منافقين حتى اخوتهم أكلوا رزقهم و في خصومة معهم ،النادل يجمع الكؤوس الفارغة و يزود الرواد بالمياه ،دخان السجائر يتصاعد شعب يدخن كثيرا على هذا البؤس الذي يعيشه ،إتصال من صديق قديم أيام الثانوية مقيم بالسويد بعد أن هاجر إليها من إيطاليا نتبادل الحديث عن الأوضاع نضحك كثيرا على الفرق الكبير بين البلدين و في نفس الوقت نتأسف على واقعنا المتخلف، في مرحلة الليل في صيفه الجميل غادرت على رجلي إلى الدوار الذي يبعد بضعة كلومترات ،في صيف البادية و ليلها قضاء الليل تحت النجوم و السماء يشعرك أنك تنتمي لهذا العالم في جزء بسيط منه ،هنا على الأقل تنام في راحة تامة في إنتظار يوم جديد نطل به مجددا على نافذة الحياة على هامش الوطن ،يوم آخر من الأمل و حب التشبث بهذا الهامش على الرغم من كل المعاناة ،رن هاتفي إتصال من صديق قديم مرت سنوات و لم نلتقي فيها منذ فترة الإعدادي التي غادر فيها الدراسة و توجه للعمل ،هل تريد شرب بضع كؤوس من النبيذ ،ضحكت برهة من الوقت ثم أجبت بالنفي ،عاود الطلب و قال أنا في أكادير إذا أرادت المرور فمرحبا بك ،شكرته على دعوته و اجابته أنا لا أحب المدن في الصيف يكثر فيها اللغو و كل مظاهر اللامعنى أنا أحب المدن في الشتاء فهي تكون على طبيعتها الحقيقية ،على هامش شتائها تعطيك حبها تضمك مثل ما يضم حبيب حبييته بعد فراق طويل ،في الصيف تكون المدن مثل عجوز تطلب من العطار أن يداوي وجهها من تجاعيد الحياة ،غالبية المدن في الصيف تعيش مجرد حلم تستيقظ فيه مع كل شتاء بئيس يلقي بظلاله على عمق معاناة قاطنيها بعد أن يرحل الضيوف تاركين مجرد ذكريات مغلوطة عن أماكن زاروها كانت تراقبهم و تستهزء من وهمهم ،تذكرت الناظور ذات صيف حينما نزلت فيه ضيفا بحثا عن فرصة عمل قادما من فاس ينادونها بالعلمية و لا علم و لا هم يحزنون فقط قطاع طرق و مخدرات و أحياء هامشية تترعرع فيها كل أنواع الأمراض الإجتماعية ندمت على ثلاثة أشهر قضيتها فيها كعامل في أحد مقاهيها ،في الناظور تأتي الجالية كل صيف مزيج من التحضر في اللباس و المظهر و اجترار للتخلف في الذهنية يعتقد هؤلاء المهاجرين أنهم أفضل في كل شيء، لذا تراهم ينظرون من برجهم العالي الذي يسكنه شبح التخلف، غادرت الناظور ذات شتاء ولم أعد أتذكر فيه سوى تلك الفتاة الجميلة المحتشمة التي تحمل خالة سوداء تحت وجنتها اليسرى و التي تفيض أنوثة و علما ،و اظطرتها ظروفها الإجتماعية للأشغال في أحد المكتبات الكبيرة تعيل أباها المريض و اخوتها الصغار تمنيت لها أن تكون اليوم بخير ،مررت على طنجة التي كانت في الماضي ملتقى للثقافة و الفكر و الحوار كانت تعطينا قصاصين و أدباء و فنانين ملتزمين بالقضية سياسيين مناضلين ،قضيت بها يومين كدت اتقيأ فيها من كثرة ما وصل إليها حالها من ميوعة و إجرام و أصبحت مجرد أماكن تاريخية تذكرك بمن مروا من هنا ،ودعت صديقي هناك قبل أن استقل حافلتي لوجهة أخرى، جل المدن تتشابه تعيش رتابة و روتين و انحدار تام في منظومة الأخلاق و القيم التي تميزت بها قبل عقود خلت، و أصبحت مجرد أماكن تستوطنها جميع الأمراض الإجتماعية، و ماذا يعني العمران إذا فقد الإنسان الذي حولته الراسمالية إلى مجرد سلعة مشيئة تتقاذفها أمواج الإستغلال البشع الذي يولد كل يوم جيشا من العاطلين ، قبل الخلود للنوم قرأت مقالا للمفكر الكبير سمير أمين عن دور الإسلام السياسي في التوسع الإمبريالي يشرح فيه بالدليل و البرهان كيف استطاعت الإمبريالية إستغلال الإسلام السياسي و تدعمه من أجل مزيد من السيطرة و نهب ثروات الشعوب .
تنويه : الصور والفيديوهات في هذا الموضوع على هذا الموقع مستمده أحيانا من مجموعة متنوعة من المصادر الإعلامية الأخرى. حقوق الطبع محفوظة بالكامل من قبل المصدر. إذا كان هناك مشكلة في هذا الصدد، يمكنك الاتصال بنا من هنا.