عبد الله ايت سي / شذرات رفاقية على هامش الوطن. ...




عبد الله ايت سي :

ألقى به الصراع الطبقي للعمل في الضيعات الفلاحية ذلك الشاب الوسيم، و الذي تخرج لتوه من الجامعة حاصلا على إجازة في الإقتصاد، بعد 16 سنة من التحصيل العلمي مرت عليه كلها بكدح على كدح ،فهو القادم من القرية من هامش الهوامش حيث لا ماء و لا كهرباء و لا طرق معبدة و لا هم يحزنون ،منذ سن الثالثة عشرة انتقل الى القسم الداخلي بإحدى الثانوية الإعدادية ،منذ نعومة اظافره كان يطرح السؤال على نفسه لماذا يعاني الفقر و التهميش ؟،تعرف على جزء من الاجابة اثناء انخراطه في صفوف الحركة التلاميذية، و اطلاعه على الفكر التقدمي و التنويري عن طريق روايات و قصص و الكتب التي كان يزوده بها استاذه اليساري في اللغة الفرنسية، صبر الفتى و كد و حصل العلم و حصل على الباكالوريا و لأن لا خيار أمامه سوى معهد الممرضين أو معهد التعليم فلم يقبل في اي احد منهما ،و اختار الجامعة شعبة الاقتصاد ،كانت الجامعة تعيش مرحلة من التحصيل العلمي الجدي إمتحان نهاية السنة في دورة عادية و دورة استدراكية في حالة عدم الحصول على المعدل المطلوب للنجاح ،بعده إمتحان شفوي ،الاكل في المطعم الجامعي و السكن في الحي ،يسود الكثير من الإحترام و الجدية لدى الغالبية من الطلبة و حرمة الجامعة محصنة، لا مجال للميوعة، و الحلقيات يسود فيها نقاش فكري جاد و يتم فيها تقرير الخطوات النضالية للدفاع عن المكتسبات و حقوق الجماهير الطلابية ،اندية المسرح و الشعر و الرياضة كذلك نشيطة و تساهم في تكوين الطالب ،واصل الصديق القروي انظباطه و تعرف على طالبة شابة متنورة و فقيرة مثله يشاركان هموم بعضهما البعض و يقتنصان لحظات من السعادة كلما أتيحت لهما فرصة لذلك ،إختار بعد دراسة لواقع الحركة الطلابية و تمكن من تاريخ اوطم العريق الانتساب إلى اليسار الطلبة القاعديين الذين مازالو يسيرون على درب الشهداء ،تعرف إلى الرفاق و الرفيقات الجدد و إطلع على النظرية و ظبط جزء كبير منها ،يأخد كلمته في الحلقية و بعد مدة من نضالية مبدأية أصبح مسيرا ثم بعد ذلك أصبح من حين إلى آخر يأخد مداخلة مركزية ،لقد فهم أن واقعه الإجتماعي الذي يعيشه له تفسير إنه الصراع الطبقي بين من يملكون و بين من لا يملكون و هناك أيديولوجية مكلفة بتبرير هذا الإستغلال في الواقع ،في عطلة الصيف يشتغل في أي شيء من أجل جمع ما تيسر من المال يرسل نصفه للعائلة و الآخر يحتفظ به لإتمام الدراسة ،تجبرك الحياة أن تعتمد على نفسك و قوة عملك تبيعها و فق ما هو متوفر من شغل ،لا يحس رفيقنا بأي نقص و هو يعمل و يكدح فايمانه متجذر أن من لا يعمل لا يأكل و هي فرصة من أجل تعويد الذات و العقل على التضحية ،العمال الذين يشتغل معهم لا يمتلكون وعيا طبقيا كثيري الشكوى و خائفين من التسريح و الطرد معظمهم ترك أولاد و عائلة يعيلها ،و كل يوم يجلس فيه مهدد بالجوع و هذا ما يسمى بترياق البقاء على قيد الحياة يعطونك كسرة من الخبز لكي يضمنوا بقائك ليوم اخر لتنتج فائض القيمة و مراكمة الربح على بؤس العمال إنها سرقة بشعة ،غالبا ما يفتح معهم حوارات هامشية بغية نقل الوعي لهم ،إنتهى رفيقنا بعد مدة أربع سنوات من تحصيل العلم و الجدية في الحصول على تلك الشهادة التي فهم منذ الوهلة الأولى أنها لن تحقق له بين عشية و ضحاها شغلا قارا ،يلزمك اجتياز الإمتحان كتابي و شفوي و الإنتظار، مع ذلك يواصل رفيقنا الاستمرار في العمل من ضيعة الى اخرى من عقدة عمل الى اخرى لا ترسيم و لا هم يحزنون لا تغطية صحية و لا ضمان إجتماعي، كل ما في الأمر بضعة دراهم تجعلك مستمرا في العيش، لم يحصل صديقنا على وظيفة اجتاز ما يقارب عشرون امتحانا و رغم كفاءته لا يقبل انها الزبونية و المحسوبية و باك صاحبي ،مازال يزور بلدته من عيد الى اخر يعطي للعائلة بعضا مما ادخره ،الحقيقة الوحيدة التي تأكد منها أن حياته مرهونة بالعمل كعامل و لكن عليه مهام مناهضة و حشية الباطرونا ،نقل الوعي للعمال و العمل على تنظيمهم في النقابة و الدفاع عن ديمقراطيتها ،انخرط في نقابة و ظل يعمل يتضامن مع المضربين و يحارب بيروقراطية ،تم طرده في الأول بعد قضائه لخمس سنوات من العمل ،خاض نضالات مريرة من اعتصام و وقفات و شكايات تخلت عنه النقابة بعد مدة فالمطرود لا يجلب إلا المشاكل ،رفع دعوى قضائية على المشغل و لم ينصف ،عاد مرة أخرى إلى نقطة الصفر العمل في مكان آخر و مع ذلك لم يستسلم مازال نفس المبدأ و نفس الوضوح و الالتحام مع العمال ،بعد مرور مدة أصبح في لوائح السوداء ممنوع عليه العمل في القطاع الزراعي ،انتقل لقطاع البناء نفس الإستغلال و الممارسة و التضييق ،يشتغل فقط عطاش لدى بعض من طاشرونات ،على الأقل هنا يضمن الأكل و السكن و نهار مخلص و تأمين من طرف المشغل على حوادث العمل ،و تعلم حرفة شيء جديد في حياته جمع نقطه المشتتة في صندوق الضمان الاجتماعي و أصبح يؤدي أقساطه بنفسه ،مازال حلم الطبقة العاملة يسكن جوارحه ،يشتغل بمكناس حيث درس كطالب و هو القادم من أحد الدواوير المهمشة التي تبعد ثلاثون كلومترا عن المدينة ،التي تمتد على أطرافها الالف من الهكتارات لضيعات كبار الراسماليين التي فوتت لهم بعد رحيل المعمرين الفرنسيين و التي أصبح ممنوعا من العمل في ضيعاتها بسبب نضاله، أولئك الإقطاعيين لا يحبون من يوعي العمال يستفيدون من الماء و من الإعفاء الضريبي و إمتيازات بالجملة و أضف لكل هذا استعباد و إستغلال الطبقة العاملة الزراعية،هو رفيق محبب لدى الجميع لانسانيته الفياضة، يحكي عن ظروفه التي مر منها من ضيعات الإستغلال إلى العمل في اوراش البناء، تذكر أيام الجامعة و نضالات اوطم ومازال متابعا للوضع العام بالبلاد وفق تحليل ماركسي ،مازال مسلحا بالنظرية و مواظبا على نقل الوعي للجماهير ملتحما بهمومها ،خرج أيام الحراك العشريني،وظل مساندا للساكنة في نظالاتها لرفع التهميش ،مازال محتفظا بثباته المبدئي لم تنزع عنه كل الظروف ابتسامته المعهودة و سخريته اللاذعة على الأوضاع ،إحداها مر بعض الشباب من أمامه ثم نطق و قال نحن نحمل الفكر و الثقافة و مهام التغيير ،و هؤلاء الشباب عاكزين حتى اهز سراولهم فما بالك بحمل القضية ،ضحك الرفاق بهستيرية ،ثم اكمل النقاش، و في عز الحراك العشريني كان طواقا لحسم الأمر لكن البرجوازية و العبيد خانونا كالعادة لكن لابأس سوف يأتي تاريخ آخر و هكذا دواليك حتى تحسم السلطة للعمال و الفلاحين الفقراء ،يقول دائما أن المناضلين الماركسيين لا يساومون أبدا و هم كجنود معركة ستاليتنغراد الذين هزموا الفاشية تعرفهم الجماهير التي يناضلون بحانبها بتواضع و إحترام يتعلمون و يعلمون ،هم كثيرون في هذا الوطن مبدأيون حتى النخاع يعملون بين صفوف الجماهير لهؤلاء نرفع القبعة و كل التحايا،مثلما كانوا من قبل وطنيون أحرار من جيش التحرير و المقاومة قاتلوا المستعمر و استشهدوا بين زخات الرصاص ،في الحركة الإتحادية الأصيلة و المكافحة و إلى الأمام و 23 مارس و لنخدم الشعب ،في عشرين فبراير في مختلف الإطارات الجماهيرية المناضلة هناك دائما رجال أحرار لا يحبون الأضواء لكنهم تجدهم هم الأولين في الميدان ،رفيقنا يفرح لوحدة المناضلين و المناضلات و يحزن لخلافاتهم الهامشية شعاره لنا يا رفاق لقاء غد سناتي و لن نخلف الموعد حتى و إن لم يبقي في العمر إلا القليل.
تنويه : الصور والفيديوهات في هذا الموضوع على هذا الموقع مستمده أحيانا من مجموعة متنوعة من المصادر الإعلامية الأخرى. حقوق الطبع محفوظة بالكامل من قبل المصدر. إذا كان هناك مشكلة في هذا الصدد، يمكنك الاتصال بنا من هنا.