عبد الله أيت سي
مرت كثير من الأحداث في حياتي و حياتك يا عزيزتي و نحن بعيدين عن بعضنا لا أحد منا يستطيع الوصول إلى الآخر فظروف قاهرة و سنة الحياة تقف حاجزا بيننا لنعانق بعضنا و نطير فرحا في ظلام زقاق مدينتنا المهجورة ،أو في سفح جبال هامش وطن يعاني ،أو في باب بيتنا القديم ،نعم مر وقت طويل لم نرى فيه بعضنا ،أود في هاته اللحظة التي تذكرت فيها ابتسامتك التي تشع بأمل فياض للحياة أن أخبرك أن بين ثنايا أيامنا يوجد دائما ذلك العشق الذي تربى فينا و الحلم الذي رسمناه و نحن صغار بين سنابل حقول الفقراء حينما كنا نقطف ورود الربيع و نطلق العنان لابتسامتنا البريئة و الأمهات يكدن في تنقية الحقل من عشب يعرقل نمو السنبلة ،نعم يا عزيزتي رحلت دون حتى أن تودعيني ،لقد تغير العالم من حولنا بسرعة دون أن ندري في غفلة منا و انشغالنا بحيثيات الحياة حتى وجدنا أنفسنا و قد اشتعل الشيب براسنا ،اضعنا الكثير من الجهد من أجل بصيص أمل في حياة كريمة نقية بعيدا عن النفاق و الغدر و الخيانة ،
لكن حربنا من كل الجهات و إن مازلنا نحمل نفس الطموح و الإصرار، فقد انهكنا الفقر و قلة اليد و خذلتنا الصحة ،حتى صرنا في بعض الأحيان نحمل عكاز نتكأ عليه بتلك الروح الثورية التي لازالت تجعلنا نرفع صوتنا و رؤوسنا في وجه الطاغية و زبانيته ،يا عزيزتي حتى كأس النبيذ الذي كنا نفرح له حينما نتذوقه ،و نحن نعرف أن عرق العمال و الكادحين هي من أنتجته لم يعد له أي طعم يذكر ،فقررنا الإبتعاد عنه إلى الأبد، و اكتفينا فقط ببعض من موسيقى جارة القمر منشدين وراءها اغنيتها "أعطيني الناي و غني فالغنى سر الوجود " إلى آخر الأغنية، منتظرين في كل مساء شقي أن ندخل المنزل و نضع رأسنا على وسادة زمان نتقلب فيه يسرة و يمنة لعل النوم يأخدنا بعيدا عن بؤس الحياة و العالم ،آه يا حبيبتي لو تعرفين أن كل تلك اللحظات التي كنا ننتظرها بفارغ الصبر لنلتقي فيها قد انعدمت اليوم الا من من رحمهم الزمان ،الكل يهرول نحو المال و السلطة بجميع الطرق الصوفية في الدين و السياسة و الحياة العامة ،
لا أخفي عليك ما ماداةحنيني المنقطع النظير لتشرق شمس كل يوم لاصارع داخل هذه الحلبة المسماة وطنا و أسقط الكثير من القناغ الزائفة ،فهؤلاء يا عزيزتي لا يعيرون الإهتمام لكل تلك الكتب التي كنا نلتهما مسنودين رؤوسنا على بعضنا البعض تحت تلك الشجرة المعلومة مسافرين إلى عالم العقل و الفكر حيث الخلود الأبدي ،و حينما نستيقظ نكون قد جمعنا ما يكفي من عشق أبدي يغنينا عن نفاق الكلمات و تصبح الهمسات أكثر تعبيرا عنها ،مرة أخرى سنستقبل الشتاء بالبعد و نفس العشق و الحب دون أن نستسلم لكل هذا العبث الذي يحاول الرأسمال أن يوهمنا به أنه سعادة لا سعادة بعدها كانهم يخيروننا بينا الجحيم و النار ،نعم سنستقبله روح التحدي الذي تعلمناها بين دروب حياة الفقراء و المغلوبين سنسافر فيه في طرقات و شوارع وطن مجروح نكمد جراحه من صمودنا ،لقد كتبت إليك هذه المرة قبل حلول الشتاء أملا في أن ازيح عن نفسي تعب الكلمات التي ترهقني فأنا كما تعرفين أكره كلمات التي تبقى حبيسة النفس و العقل تجعلني متألما ،كما كنت أمد إليك الرسائل من تحت باب منزلكم ،و تفعلين نفس الشيء، نعم كانت تلك أحلى الأيام حينما ننتظر بفارغ الصبر أن ينام الجميع لنسرق قطعة شمعة و نضيئ بها تلك الحروف التي تخرج من صلب شرايين قلوبنا ،نعم عزيزتي ستقرأين ما كتبته و أنا أيضا سأقرأ ما كتبته لكن فقط في البعد الأبدي، ولكن بفرح و سعادة كما العادة دون أن نحزن لفارق بعضنا، هكذا هو العالم اليوم صباح مساء يكلفنا الكثير من الجهد ،فقد تحول إلى مجرد غابة يأكل فيها القوي الضعيف لقد مرت الكثير من الأحداث دون أن نلتقي في الواقع لكن نلتقي دائما في الروح الذي يسكنها حبنا الأبدي.
