رشيد بيجكين
على غرار باقي مناطق المغرب، يكتسي الاحتفال بعيد الفطر في ربوع سوس طابعا خاصا، إذ تنفرد العديد من القرى والبوادي السوسية بطقوس استثنائية، منها ما يرتبط بتأدية الشعائر الدينية، المتمثلة أساسا في مظاهر اللباس والزينة، التي يغلب عليها الطابع التقليدي، قبل قصد مُصلّيات تلك المداشر لتأدية صلاة العيد، التي تكون مناسبة للقاء من أجل صلة الأرحام، وطلب الصفح، مع اعتبارها فرصة للتداول والنقاش حول قضايا تسيير القبيلة أو ما يُسمّى "لْجْماعْتْ" للشؤون المتصلة بتدبير أمور المساجد، والتي يتم في الآونة الأخيرة تفويضها إلى جمعيات الدواوير، التي تنوب عن الساكنة في كل ما له ارتباط بالشأن التدبيري للمساجد والمصليات.
ومن المظاهر الاحتفالية المميِّزة لهذه المناسبة الدينية في قرى سوس، التئام المصلين، مباشرة بعد صلاة العيد، على موائد وجبة الفطور بفضاءات المساجد، إذ تعود أفواج المؤدّين للصلاة، ويغلب على لباسهم الزي التقليدي، قصد بيوتهم من أجل إحضار موائد وجبة الفطور إلى المساجد، وهي بلمسة محلّية، من رغيف "تفرنوت" وزيت الأركان و"السمن البلْدي" وعسل النحل. ويتكلّف بعض الرجال بإعداد كؤوس الشاي، التي تُحتسى في حضرة مجالس الموعظة والإرشاد الديني، التي يتولى مهمتها أئمة المساجد، الذين وبمجرد دنو موعد مغادرة بيوت الله ينالون "إكراميات" من أهل البلدة، عرفانا بمجهوداتهم في إحياء ليالي الذكر والعبادة خلال شهر رمضان.
موائد الإفطار في المساجد يُطلق عليها "أمْغْرا"، وتُعدُّ من الموروث الثقافي والهوياتي والديني لمناطق سوس، وخاصة خلال عيدي الفطر الأضحى. وفي هذا الصدد، أورد محمد بنتاجر، الأستاذ الجامعي المهتم بالشأن الديني والمحلي، أن اسم "أمْغْرا" أو "أُومْغرا" مشتق من "تمغرى"، أي العرس، "ويعني أن الناس يجتمعون في المصلى أو في المساجد بعد صلاة العيد، ويُحضر كل واحد من منزله الفطور ليتناولونه جماعة، ثم يتبادلون التهاني بالمناسبة الدينية"،
وزاد: "وهناك مناطق أخرى، عندما يغادرون المصلى، يحددون موعدا بعد صلاة الظهر ليتناولوا الغذاء جماعة، عبارة عن طاجين وخبز تأتي به كل أسرة من منزلها، ويتناولونه دون أن يحدد من أتى به. وهذا يعبر عن روابط الأخوة والصداقة العائلية والتضامن التي تميز مناطق سوس في أبرز تجلياتها..بعدها يجتمعون حول كؤوس الشاي يتجاذبون أطراف الحديث، فيتحدث كل واحد عن أحوال المنطقة التي يعمل بها في إطار تبادل الأخبار وتطور الاقتصاد والتجارة، اعتبارا لكون أغلبية سكان هذه المناطق، لاسيما الجبلية، يشتغلون في المدن المغربية وخارجها".
واعتبر المتحدث هذه الطقوس سنة حميدة، تهدف بحسبه إلى "تصفية القلوب والمصالحة الأخوية، التي حث عليها ديننا الحنيف وتقاليدنا الإسلامية المترسخة على مرّ العصور؛ فحتى إن وقع خصام أو سوء تفاهم قبل العيد، فإنه عندما يحل لا يبقى مجال لأي نوع من الشنآن، الذي يقع مثلا أثناء مواسم الحرث أو الحصاد أو في مرحلة جمع محصول الأركان، ليتم التأسيس لصفحة جديدة في العلاقات الاجتماعية بين أهالي هذه القرى"، وفق تعبيره.
أما عن الغاية وراء تجمع السكان في المساجد لتناول "أُومغرا" فتكمن وفقا للأستاذ الجامعي بجامعة ابن زهر في كونها فضاء يسمح للإمام بالحديث عن المغزى من سن الأعياد، متمثلا في نشر وتكريس روابط التلاحم الأخوي المبني على القيم الأصيلة والأخلاق الطيبة والمودة الحسنة.
وتابع: "فضلا عن أن انعقاد "أُومغرا" في المسجد ذو قدسية ورمزية خاصتين، إذ إنه مكان ومجال يحترمه الجميع، وله لدى السوسيين خاصة والمغاربة عامة حظوة كبرى، أعطاها له الإسلام، وتشبث بها المغاربة تشبثا كبيرا، ولا غرو أنها بيوت الله. كما أنه في مجال إصلاح ذات البين بين المتخاصمين يلعب فقيه المسجد أو المدرسة العلمية العتيقة دورا محوريا، لأن يوم العيد بمثابة صفحة جديدة تكتب عليها أواصر المحبة والسلام والأخوة. ونجد مثلا أن مدشرا أو قبيلة بكاملها تمثل عائلة كبيرة ممتدّة بتعدد فروعها، زيادة على المصاهرة الواسعة داخل هذا المجتمع نفسه".
ويتبيّن من كل هذا، يسترسل بنتاجر في حديثه مع جريدة هسبريس، "أن مناطق سوس، بثقافتها التضامنية على مر الأزمان، وهي التي أسست لـ"تيويزي"، التي اُستنبطت منها ثقافة العمل الجمعوي والجمعيات، تمثل نموذجا للجمعيات الناجحة والنشيطة، والأخوة الراسخة"، مضيفا: "لا يحبذون ولا يريدون أن يكون يوم العيد دون فرح الجميع وتصفية القلوب؛ فكان قدماء ووجهاء وأعيان وعلماء وفقهاء سوس يسهرون على استمرار هذه السنة الحميدة المرتكزة على مبادئ الإسلام، تكريسا لتجليات السنة النبوية الشريفة في المحبة والترابط الأخوي".
