صلاح الدين عبدو / دُلّوهُم و لا تَضُلّوهم .. بل الأولى لا تَذُلّوهم !


 صلاح الدين عبدو
 :

هي ميولات فطرية أو ربما مكتسبة كوننا اجتماعيين فلابد من قانون ينظمنا يخرجنا من "قانون الغاب" ،قاعدة سيطرة القوي على الضعيف .

تَأَمَّلتُ يوما في تلك القصص التي كانت تسردها لي جدتي أو أمي عن كلب معتدٍ على قط ،و ثعلب متحرّشاً بنعجة ،و عقرباً قارساً خنفساً أسود اللون ،وقردين بالغين أشْعَثَا الشعر،بالكاد لم يبلغا بعد مرادهما !،يتقاتلان أيهما أحق بالظفر بقردة أنثى لم تنظف مؤخرتها من برازها العالق ،متخذة غصن شجر بلوط كمِنصة شرف لمن ستمنح شرفها ،غير مبالية بما يجري حولها من سفكٍ للدماء ،تارةً مُبرزَةً أنيابها إحساساً بالعظمة ،تارةً أخرى منهمكة في التفتيش عن قُملٍ ناضج عَشّش في فرْوِها كأنها في عملية مصيرية لتفكيك قنبلة ملفوفة بإحكام حول خَصْرِ طِفْلٍ رَهينة اتُّخِذَ كَوَرَقَةِ ضغْطٍ للْمُساومة في قيمةِ فِدْيَة ؛حمارٌ مُدمى الرجلين باكِي العينين نحيف الظهر بلا "بَرْدَعة" تُوقِيه بأس ثقل الأثقال و "صفِيحَةٍ" تُنسيه طول المسافات ،رافساً صاحبه الرّثّ الثياب المقوّس الظهر رَفْساً ، كأن الزمان قسى عليهما ؛فلا الأول اقتنع ب أسطوانة "تَعَمْلُقِ الأسعار والأعلاف" ولا الثاني راغباً في "نسيان الجميل" و اقتياده إلى أبعد غابة أو بيداء وتركه كوجبة لذئاب جائعة ،و حوت أزرق ضخم يطارد فُقمة في حدود بحرين بينهما برزخ لا يبغيان .
حكاية تراجيديا هاته المتناقضات و كذا المتوازيات ،صراع الأضداد التحام المتشابهات؛فنّدها احتكامهم إلى حَكَمٍ فيصل ؛لَيْثٌ -ملك غابة- نزيه أحيى الأمل في نفوس هؤلاء المتقاضين للفصل بينهم وإعطاء كل ذِي حَقٍّ حَقَّه.
هي إذن قناعة و قدَر تجسيد -مَلِكَ- "حَكََم الغابة " في الفصل بين المتبارين ،حَكَمٌ عهِد على نفسه أن يشكل نفسه كشُجيرات منتصبات يقاوِمن زوبَعةً أرسلتها كُثبان رملية ذهبية غارةً على مدينة هادئةٍ ..هو تلك سدّادة صهريج ماءٍ مجرور بجرّارٍ مهترئٍ سالكاً طريقاً غير معبّدة طمعاً في إيصاله لدوار منسيّ لعله يروي ظمأ طفولة بريئة في موسم جاف قاحل نضبت فيه مطفيات باتت سموم أفاعي تسكنها أقرب من قطرة ماء ..هي تلك القروية الأرملة التي استيقظت فجراً متوجهة صوب أقرب شجرة بعد أن أخبروها أنها ضمن -"الملك الغابوي" ، إذ كانت بالأمس القريب تربط بها عنزتها الوحيدة -متوجهة- لالتقاط حبات أركان يسدّ رمق أيتامها .
هي تلك الوليّة التي تحارب في المطبخ حاملة سيف "مغرفة" و دِرع "غطاء طنجرة ضغط" ولو أنها فاقدة قوة النفخ في كانون غيرَ مُتَوهّجٍ جَمرُهُ لِيُطبِخَ بِنارٍ هادئة كَ "عيساوي" في ساحة جامع الفناء ينفخ و يفنث فوق رأس ثعبان كوبرا تَرْويضاً له ـسلطتها التقديرية والعفوية تُعجزك على الاعتراض على أيّ مذاقٍ من يديها عِرْفاناً لها ..هو ذاك الطالب الذي أسند إلى حائط رأساً أثقلته الهموم ،مسترسلاً بَنَاتَ أفكاره ،غوْصاً في وحْل مُستنقعِ بطالةٍ ،دُريهمات جيبه لا تكفيه لإشباع جوعه ب "خَانْزْ أُو بْنينْ" ،طارداً شهوته عن فتاة يافعة عارية الساقين تلتحف قُماشاً يُظهر تضاريس جسدها الممشوق ،في عزِّ رمضان ! "الحكم" هو ذاك "البقال صاحب متجر" الذي أشهر "إنذاراً شفوياً " في وجه مربية أطفال لم تتوصل بعد بأجرها راغبةً في باكية "أولويز" زيادة على "بيض" و "أرز".. أغرقت به "كُناش الكريدي" ..
نعم هم "حكّام وسط" و "خطوط تماسّ " أحكموا السيطرة على أوضاع أغلبها من بطش البشر..
شباب أراد لنفسه أن يعيش تجربة التحكيم الرياضي ولو أن الزمان عيَّشَهم مُكْرَهاً تجارب أكثر حِكمة ؛شباب منا و منكم لعب دور "حكم كرة القدم "، يحرص على أن لا تنقلب مباريات كرة القدم الى حلبة للمصارعة، فأنت تعلم جيدا أيها المتتبع أن كرة القدم لعبة تتطلب الكثير من القوة البدنية والاندفاع حيث على اللاعبين أن يقوموا بالعديد من التدخلات الخطيرة كي يحصلوا على الكرة من اللاعب الخصم، هنا يأتي دور الحكم حيث يمكنه أن يقول إذا كان التدخل في محله عنيفا ام خشونة متعمدة ويوجه البطاقات وغيرها من الأمور،
دُلّوهُم و لا تضُلّوهم بل الأولى لا تَذُلّوهم
فَطُوبى ل " Mohamed Hanoun " تحدى نفسه والصعاب ليدخل عالم التحكيم الكروي ،حذا حذوه "Raphael Kasbawi Omar "،كان بعدهم "عزيز هنون" ، " محمد بلقدور" ، "أحمد أمضوي" و غيرهم ...حكم قاضي لا تناقش قراراته و أحكامه ، ينفذ مواد قانون اللعبة ،قراراته متعلقة بحقائق ووقائع ذات صلة باللعب تعتبر نهائية و أي قرار آخر قد يتخذه طبقاً لقانون اللعبة أو بما ينسجم مع واجباته المنصوص عليها في القواعد والأنظمة الخاصة بها ،إنه يعمل كميقاتي ويسجل أحداث المباراة ،يوقف اللعب أو يدلي بتعليقات أو ينهيها وذلك حسب قناعته بسبب أي مخالفة لمواد القانون ،يتخذ االإجراء التأديبي ضد اللاعبين المدانين بمخالفات إنذار وطرد ،و ضد مسؤولي الفريق الذين يفشلون في ضبط أنفسهم بسلوك مسؤول، يأخذ بنصيحة مساعديه فيما يتعلق بالأحداث التي لم يشاهدها بنفسه ،يتأكد من عدم دخول أي شخص غير مرخص له إلى ميدان اللعب ، و يستأنف المباراة بعد توقفها كأنه قاضي تحقيق في جلسة استنطاق مغلقة .. هي إذن قرارات ،صلاحيات وواجبات زجرية تأديبية انضباطية للخروج بسفينة المباراة إلى بَرّ الأمان .
هم اختاروا سَلك درب التحكيم ،فقط " دُلّوهُمُ " الطريق ،فلا " تضُلّوهم " عنها بموبقات ،أعذار واحتجاجات واهية تَذُلُّهم كقُضاة الملاعب .
لكل منا "بييرلويجي كولينا Pierluigi Collina "صارم يشهر غير ما مرة "كارت أحمر" على قرارات ذوات تَدَخُّل خَشِنفي أمور حياتنا ،في داخلنا يقطن "ماركوس ميرك Markus Merk "يُعلِن عن "ضربات أخطاء" ارتكبناها ،لَنا مُضْغَة "هاوارد ويب Howard Webb" المازجة بين الفكاهة والجدية، بين الصرامة والدعابة في تغييرات حتمية..

فقط دع حَكَمَك يصدر قراراته غير القابلة للاستئناف أو الاعتراض لِ و ضد أي لاعب هاوٍ أو مُحترفٍ في معْترَكِ الحياة.
تنويه : الصور والفيديوهات في هذا الموضوع على هذا الموقع مستمده أحيانا من مجموعة متنوعة من المصادر الإعلامية الأخرى. حقوق الطبع محفوظة بالكامل من قبل المصدر. إذا كان هناك مشكلة في هذا الصدد، يمكنك الاتصال بنا من هنا.